بالتوفيق لمحكمة العدل الدولية
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الثلاثاء 9 يناير 2024 - 7:55 م
بتوقيت القاهرة
من يرى استمرار الحرب التى لا جدوى منها؛ ومن يرى أحجام القتل والدمار فى غزة؛ ومن يريد إنهاء معاناة أكثر من مليونى إنسان؛ يجب أن يأمل، على الأقل فى قرارة نفسه، بأن تصدر محكمة العدل الدولية فى لاهاى، يوم الخميس المقبل، أمرا مؤقتا علنيا بوقف الحرب. ليس من السهل على إسرائيلى أن يؤيد صدور أمر ضد دولته، ويمكن أن يؤدى هذا إلى اتخاذ خطوات عقابية ضده، لكن هل هناك طريقة أخرى لوقف الحرب؟
ليس من السهل أن تتم مقاضاة دولتك من دولة تعرف أنظمة الظلم والشر، وكان زعيمها قدوة أخلاقية فى العالم كله. ليس سهلا أن تتم مقاضاتك من جنوب أفريقيا، وليس سهلا أن نكون متهمين بإبادة جماعية ارتكبتها دولة تأسست على أنقاض أكبر إبادة جماعية فى العالم.
ليس سهلا أن نتجاهل الشكوك التى تحوم فوق إسرائيل بارتكابها أفظع الجرائم ضد الإنسانية، وضد القانون الدولى. لم يعودوا يتحدثون عن احتلال، بل عن أبارتهايد، وعن ترانسفير وتطهير عرقى، وعن إبادة جماعية، وما هو أخطر. ويبدو أنه لا توجد اليوم دولة أخرى فى العالم متهمة بهذه التهم.
لا يمكن دحض هذه التهم بأى شىء، ولا حتى بالعداء للسامية، حتى لو كان البعض منها مضخما وغير صحيح، فاللامبالاة التى تستقبل بها هذه التهم فى إسرائيل، والذهاب إلى حد اتهام الضحية، ربما هى الطريقة الأفضل للإنكار والرفض، لكن هذا لا يكفى لتبرئة اسم إسرائيل، أو للإصلاح، أو الشفاء.
أكثر من 20 ألف قتيل خلال 3 أشهر، بينهم آلاف الأولاد والأطفال، دمار هائل لمحافظات كاملة، لا يمكن إلا أن يثير شبهة وقوع إبادة جماعية. التصريحات المنافية للعقل، الصادرة عن شخصيات مركزية، بشأن الحاجة إلى «تطهير» غزة من سكانها، أو القضاء عليهم، تثير شبهة قوية بشأن نية القيام بتطهير عرقى. وإسرائيل يجب أن تحاكم على الأمرين.
لم تخض إسرائيل هذه الحرب من أجل ارتكاب إبادة جماعية، لا شك لدى فى هذا الشأن، لكنها ترتكبها، عمليا، حتى ولو بغير قصد. كل يوم يمر فى هذه الحرب مع مئات القتلى، يوميا، يزيد هذا الشك. فى لاهاى، هم بحاجة إلى إثبات وجود نية مسبقة لذلك، وقد لا يعثرون عليها، فهل هذا يبرئ إسرائيل؟
الشك فى التخطيط لتطهير عرقى، والذى لن تبحث فيه محكمة العدل الدولية حاليا، راسخ جدا. هنا النية واضحة وعلنية. دفاع إسرائيل عن نفسها بأن وزراء مركزيين لا يمثلون الحكومة هو أمر مثير للسخرية. وثمة شك فى أن هناك من يأخذ هذا الكلام بجدية. وإذا كان بتسلئيل سموتريتش الداعى إلى الترانفسير لا يمثل الحكومة، فلم هو موجود فيها؟ وإذا كان بنيامين نتنياهو لا يقيل إيتمار بن غفير، فكيف يكون بريئا من التهمة؟
لكن علاوة على هذا كله، فإن الجو السائد فى إسرائيل، هو الذى يجب أن يثير قلقنا أكثر مما يجرى فى لاهاى. الروح العدائية السائدة تشير إلى منح ارتكاب جرائم الحرب شرعية واسعة. التطهير العرقى فى غزة، وبعده فى الضفة الغربية، هو موضوع نقاش الـ«مع والضد»، والقتل الجماعى لسكان غزة غير مطروح بتاتا فى الحديث العام الإسرائيلى.
مشكلة غزة خلقتها إسرائيل فى سنة 1948. فهى التى طردت مئات الآلاف من الناس إلى القطاع، فى عملية تطهير عرقى كاملة لجنوب البلد. إسرائيل لم تعترف قط بمسئوليتها عن ذلك. الآن، يدعو وزراء إلى إنهاء المهمة فى القطاع أيضا. إن الطريقة المثيرة للاشمئزاز من مناقشة اليوم التالى، والتى تعتمد علام ستقرر إسرائيل فعله فى غزة، وما لن تفعله، تثبت أن روحية 1948 لم تمت. هذا ما فعلته إسرائيل حينها، وما تريد أن تفعله مرة أخرى.
وسواء قررت محكمة العدل الدولية أن ما يجرى فى غزة كاف لاتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، أو جرائم حرب أخرى، فمن وجهة نظر أخلاقية، الجواب معروف منذ الآن.
جدعون ليفي
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية