القادة الجدد
عبد الرحمن يوسف
آخر تحديث:
السبت 9 فبراير 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
كلمة «استراتيجية» مشتقة من كلمة إغريقية هى «استراتيجوس»، ومعناها قائد الجيش، وعلى ذلك يكون المعنى الحقيقى للاستراتيجية فن القيادة الحربية الشاملة.
القيادة الحربية تعنى أن يعرف القائد متى يقاتل، وأين، وكيف، وبأى الأسلحلة، وأن يعرف نقاط قوة ونقاط ضعف عدوه، وأن يحسن اختيار الرجل المناسب للمكان المناسب، وأن يحفز ويحمس جنوده، أن يحافظ على معنوياتهم مرتفعة من أجل تحقيق النصر، وألا يتأثر بانفعالات لحظية تجعله يخسر المعركة، وألا يتأثر بخسارة بعض المعارك لأن المهم هو أن الانتصار فى الحرب، والقائد الذكى هو الذى يربح الحرب بأقل تكلفة من الدماء والدمار.
هذه الصفات يحوزها قلة من الناس، ومن ضمن ما ابتلينا به فى مصر بسبب تجفيف منابع السياسة، أننا أصبحنا أمة لا تملك قادة سياسيين يفكرون بطريقة استراتيجية سليمة.
عاطفيون نحن، قادتنا ينساقون خلف الجماهير، فترى كثيرا منهم تعايش مع نظام الرئيس المخلوع، لأن مقاومته حينها لم تكن مطلبا جماهيريا من الأساس، والناس كانوا يقبلون بالمعارضة الشكلية.
اليوم الشارع يطالب بالعكس، فترى موقف هؤلاء «القادة» مشوشا، يسكتون عن العنف بدعوى أن ذلك عمل ثورى، إنهم قادة لا يملكون مقومات القيادة، ولا يستطيعون أن يعلنوا موقفا واضحا وأن يتحملوا العواقب، لذلك عجزوا عن الوقوف فى وجه مبارك، والآن يعجزون عن الوقوف فى وجه الجماهير، ولكى أكون دقيقا أقول «يعجزون عن الوقوف فى وجه فئة ضئيلة موتورة من الجماهير»!
عاطفيون نحن، ننساق خلف المشاعر، والمشاعر تظهر الأشياء أكبر من حقيقتها أحيانا، وأصغر من حقيقتها أحيانا اخرى، والتصرف السليم أن ننظر للأشياء كما هى، لا كما تصورها لنا العواطف والأهواء.
الخوف من عدونا وتضخيم قدراته يجعلنا نتصرف بشكل دفاعى مبالغ فيه.
الغضب يعمينا عن القرار الصحيح، بينما الصواب أن يصبر المرء فى حالة الغضب، وأن يلجم نفسه بالحكمة لكى يتخذ القرار الصحيح بعد أن يهدأ.
الثقة الزائدة بالنفس ــ خصوصا بعد تحقيق إنجاز ما ــ تجعلنا نجمح أكثر مما ينبغى، والعاطفة بالحب أو الكره تعمى عن تقييم المواقف والأشخاص بشكل عاقل.
كل ذلك يجرى فى الحياة السياسية الآن فى مصر، وغالبية الفاعلين غير مدربين على رؤية الصورة الكبيرة، ولا أحد تقريبا يفكر بشكل «استراتيجى» سليم.
هل يمكن أن نرى قادة على مستوى المسئولية؟
قادة بإمكانهم أن يقولوا لا بأعلى الصوت، وذلك برفض أى سلطة غاشمة، وبرفض ابتزاز الشارع، وتحريض الغوغاء على العنف، وبرفض جميع الحلول السهلة التى تعفيهم من العمل المنظم الذى يحتاج إلى سنوات من البناء.
نريد قادة لا يخافون السلطة، ولا ترهبهم الجماهير، يفكرون بشكل «استراتيجى» سليم، وليس بطريقة رد الفعل السطحية العقيمة.
هذا النوع من القادة هو ما تحتاجه مصر، وهو يتكون الآن، والمشكلة أن البعض يجب عليه أن يتقاعد لكى يتمكن هذا الجيل من أداء واجبه وإنقاذ مصر!
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين..