القبلية المهنية
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 9 فبراير 2016 - 10:35 م
بتوقيت القاهرة
نحن جميعا نمارس القبلية المهنية، ونرمى باللائمة على بعضنا بعضا.
المهنة انتماء وظيفى، يسعى من خلاله أعضاء المهنة لضمان تطورها، وحسن ممارستها، أما فى المجتمع المصرى فقد تحولت المهنة إلى انتماء مغلق، أصم، يمثل فى ذاته فى بعض الأحيان ما يشبه «التضامن المظلم» الذى تحدث عنه عالم الاجتماع الشهير «روبرت بوتنام».
فى المعركة بين الأطباء وأمناء الشرطة، وما أثير حولها من تعليقات تعبير مباشر عما يمكن تسميته «التضامن المظلم».
هناك تجاوز من أمناء الشرطة، وسط تململ من محاسبتهم بصورة علانية، مما يعطى احساسا بأن المؤسسة التى ينتمون إليها تريد حمايتهم، وهى بالمناسبة ممارسة معتادة حدثت فى السابق.
هناك أطباء، اختلفت الآراء بشأن موقفهم، لكنهم اعتدى عليهم، وتقف نقابتهم خلفهم، مطالبين بمحاسبة المعتدين، لكن نقابة الأطباء لا تحاسب المتجاوزين من أعضائها، والذين يتسببون فى كوارث إنسانية.
نحن جميعا نفعل ذلك، والهيئات والمؤسسات والنقابات تحولت جميعا إلى روابط تحمى أعضاءها أكثر ما تحاسبهم، وإذا قررت محاسبتهم يكون فى غرف مغلقة، ولا تطلع أحدا على ما يحدث، كل ذلك من باب «الستر المهنى»، والتعبير الأمين عن «القبلية المهنية».
نقابة الصحفيين تفعل ذلك، ألم يتجاوز عبر تاريخها المئات من الصحفيين، ولم تفعل حيالهم شيئا، هناك من حرض، وأشعل فتنا، وأوقد نيران الغضب، وفبرك، ونشر قصصا طالت سمعة وكرامة الناس، وبعضهم مات، وفى حادثة وقع التجاوز حيال ضحية لم يوارَ جسدها الثرى. تقول النقابة نحن نحاسب الأعضاء، ولكن لا يحدث ذلك منذ زمن، وليس الآن.
نقابة المهندسين تفعل ذلك، ونقابة المحامين تفعل ذلك، وقس على ذلك كل المؤسسات، حتى المؤسسات الدينية تفعل ذلك. لقد تحولت «القبلية المهنية» جزءا من التضامن الداخلى لدى كل جماعة فى هذا الوطن، وإذا اضطرت مرغمة لمحاسبة واحد من أبنائها حيال تجاوز فى مواجهة الغير كانت رقيقة، أو سعت للالتفاف على الأمر، والتخفيف من وطأته، لكنها تكون باطشة إذا خالف قواعد العمل الداخلى بها، فهى تنتظم داخليا، وتنضبط داخليا، لكنها تواجه خارجيا.
إننى على يقين بأن أمناء الشرطة فى واقعة مستشفى المطرية ينبغى محاسبتهم، وهناك العديد من المواقف التى يتجاوز فيها رجال الشرطة ينبغى أن يطولهم فيها الحساب، مثلما نتألم لاستشهاد أى منهم، ونتعاطف مع ذويهم، وأبنائهم. لكنى مع ذلك، أطالب بأن تكون روح «المحاسبة» عامة، تتأصل فى كل مؤسسة، وتحرص عليها كل جماعة، ولا نكون مثل الذين يهبون للدفاع عن ابنائنا ظالمين ومظلومين، فقط للتضامن المظلم معهم.
نقابة الأطباء تقف اليوم موقف الدفاع عن أبنائها، وهذا حقها، وجميعنا نقف معها فى نفس الخندق، لكننى أطالبها بأن تحاسب أعضاءها الذين يقصرون فى خدمة المرضى، ويتسببون فى كوارث مهنية.
إذا لم نتخلص جميعا فى كل المؤسسات من عقلية «المعلم الذى يحمى رجاله» لن نتقدم مهنيا، والأخطر لن نتقدم وطنيا.
ســــامـــح فــــوزى