أفضل أصدقاء إسرائيل
توماس فريدمان
آخر تحديث:
السبت 10 مارس 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
السؤال الوحيد الذى يرد إلى ذهنى، عندما يتعلق الأمر بالرئيس أوباما وإسرائيل، هو: هل يعتبر أوباما أكثر أصدقاء إسرائيل إخلاصا لها فى التاريخ، أم أنه واحد من أكثرهم إخلاصا؟
لماذا؟ لأن حاجة إسرائيل لشن هجوم وقائى على إيران، أو مدى حقها فى ذلك، لأن طهران تطور قدراتها من أجل إنتاج أسلحة نووية، يعتبر من أكثر القضايا المتنازع عليها سخونة على الساحة العالمية اليوم. كما أنها أيضا مسألة مليئة بالمخاطر بالنسبة لإسرائيل واليهود الأمريكيين، فلا أحد منهم يريد أن يتهم بجر أمريكا إلى حرب، خصوصا الحرب التى يمكن ان تضعف الاقتصاد العالمى الضعيف بالفعل.
وفى هذا السياق، قدم الرئيس أوباما فى مقابلته مع «جيفرى جولدبرج» الصحفى بمجلة أتلانتك وفى خطابه أمام إيباك «اللوبى المؤيد لإسرائيل» أكبر تأييد يمكن أن يقدمه لإسرائيل أى رئيس فى هذا الوقت: وهو إعادة تعريف قضية إيران. وقال وهو محق فى ذلك «أن الأمر ببساطة لا يتعلق بأمن إسرائيل، وإنما بالأمن القومى الأمريكى والأمن العالمى» فقد أوضح أوباما أن السماح لإيران بتطوير أسلحة نووية، ثم «احتوائها» ــ بالطريقة التى احتوت بها الولايات المتحدة الاتحاد السوفييتى ليس خيارا صالحا، لأن إيران إذا امتلكت قنبلة نووية، سوف تسعى جميع الدول المجاورة لها للحصول على قنبلة أيضا. ولن يؤدى ذلك إلى خلق شرق أوسط نووى فحسب، وإنما قد يشجع دولا أخرى على التملص من التزاماتها ضمن اتفاقية حظر الانتشار النووى. وربما يخلق السوق السوداء النووية، ونشهد بزوغ عالم أكثر خطورة.
وقال الرئيس فى حواره مع مجلة أتلانتك «إن منع إيران من الحصول على سلاح نووى ليس فى مصلحة إسرائيل فقط، وإنما فى صالح أمن الولايات المتحدة بدرجة كبيرة»، وأضاف «إذا حصلت إيران على سلاح نووى، سيكون ذلك مناقضا تماما لسياساتنا بشأن منع انتشار الأسلحة النووية. فهناك مخاطر عميقة من وقوع أى سلاح نووى إيرانى فى أيدى المنظمات الإرهابية. كما أن ذلك سيتيح لإيران قدرة إضافية لرعاية وحماية وكلائها فى تنفيذ هجمات إرهابية، لأن خوفهم من الانتقام سوف يتراجع. وإذا حصلت إيران على سلاح نووى، ربما يكون هناك أربع أو خمس دول فى منطقة الشرق الأوسط لن أسميها تقول: «نحن بصدد بدء برنامج، وسيكون لدينا أسلحة نووية، وعندها ستكون مخاطر سوء التقدير عميقة فى منطقة بها العديد من التوترات والانقسامات. ولا بد أن تتضاعف التحديات التى تمثلها الهند وباكستان خمس مرات أو عشر مرات». وباختصار، أضاف الرئيس: «إن حصول إيران على أسلحة نووية سوف يترتب عليه مخاطر أن يصبح السلاح النووى متاحا للجميع فى الشرق الأوسط، وهو ما أعتقد أنه سيكون خطيرا جدا بالنسبة للعالم».
وينبغى أن يكون كل إسرائيلى أو صديق لإسرائيل ممتنا للرئيس بسبب تأطيره القضية الايرانية بهذه الطريقة. وهو أمر ذو أهمية استراتيجية بالنسبة لإسرائيل، لأنه يوضح أن التعامل مع التهديد النووى الايرانى ليس مشكلة اسرائيل وحدها. كما أنه مهم من الناحية السياسية، لأن اتخاذ القرار بشأن الهجوم على إيران، يتزامن مع الانتخابات الأمريكية. وآخر ما تريده إسرائيل أو الأمريكيون أصدقاء أمريكا اليهود والمسيحيون هو اعطاء اعدائهم فرصة لادعاء أن إسرائيل تستغل نفوذها السياسى من أجل توريط أمريكا فى حرب ليست فى مصلحتها. ومن الممكن أن يحدث ذلك بسهولة لأن التأييد لإسرائيل لم يكن ابدا أكثر تسييسا منه اليوم. وفى السنوات الأخيرة، حاول الجمهوريون جعل الدعم لإسرائيل قضية أساسية تكسبهم نسبة أعلى من أصوات اليهود، وتبرعاتهم للحملات الانتخابية، التى درجت على أن تميل بصورة ساحقة ناحية الحزب الديمقراطى. وأدى هذا إلى التسابق مع الديمقراطيين حول من هو أكثر تأييدا لإسرائيل وأكثر مبالغة فى التصريحات، مثل إعلان نيوت جينجريتش أن الفلسطينيين «شعب تم اختراعه».
●●●
كما يمكن أن يحدث ذلك بسهولة لأن المال لم يكن من قبل أكثر أهمية فى السياسة، لإدارة الحملات الانتخابية. ولم يكن اللوبى الإسرائيلى بجناحيه اليهودى والمسيحى الإنجيلى أكثر تأثيرا، بسبب قدرته على توجيه تبرعات الحملات الانتخابية الى المرشحين الداعمين لإسرائيل. ومن ثم، ليس هناك من يريد الخلط بين السياسة الانتخابية والقرار بشأن إيران، ولهذا كان قيام الرئيس بإعادة تعريف مشكلة إيران باعتبارها تهدد بالانتشار النووى فى العالم، وصنع سياسته على أساس الواقعية الأمريكية.
وتشير الأنباء المتعلقة باتفاقية أيباك هذا الأسبوع إلى أن من يؤيدون القيام بعمل عسكرى، تلقوا أعلى تهليل. وأود أن أدعو كل أولئك المهللين للتفكير فى جميع التداعيات التى لم تكن مقصودة ولا متوقعة لحرب العراق أوغزو إسرائيل للبنان عام 1982. وهذا ليس مبررًا للركود. وإنما سبب للاهتمام بدعوة أوباما لإتاحة فرصة لعمل الدبلوماسية والعقوبات القاسية، مع الاحتفاظ بورقة التهديد بالقوة على الطاولة.
أما إذا وصل الأمر للحرب، فليكن، لأن آيات الله كانوا مستعدين للتضحية باقتصادهم كاملا فى مقابل الحصول على سلاح النووى، ومن ثم كان على أمريكا الدولة الوحيدة التى تستطيع القضاء على البرنامج النووى الإيرانى التحرك لحماية النظام العالمى، وليس إسرائيل فحسب. وأنا أقر بأن هذه القضية فى غاية الخطورة بالنسبة لإسرائيل التى لها الحق فى أن تعمل من تلقاء نفسها غير أن أوباما وضع استراتيجية صلبة وحالة سياسية تتيح لأمريكا أن تأخذ زمام المبادرة.