شكرا عمر سليمان
وائل قنديل
آخر تحديث:
الثلاثاء 10 أبريل 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
عندما يتحدث عمر سليمان عن الثورة بكل هذا الحنان فإننا نكون أمام أحد احتمالين: إما أن الذى كان نائبا لمبارك ومتحدثا باسم النظام كان شخصا آخر غير عمر سليمان.. وإما أن الرجل يتملق الثورة والثوار هو الآخر على طريقة كل الذين أعطوا الثورة من طرف اللسان حلاوة ويروغ من استحقاقاتها كما يروغ الثعلب، وأحيانا ينشب مخالبه فيها كالذئب.
فالرجل الذى يتحدث الآن بلهجة المختلف مع النظام الذى عمل فى خدمة رئيسه 18 عاما، هو الشخص ذاته الذى قال فى حوارات مع وسائل الإعلام الأجنبية فى ذروة الغضب الشعبى أن مهمته هى مساندة حسنى مبارك فى مواجهة مظاهرات اعتبرها رئيس المخابرات السابق مخططا أجنبيا، لكنه الآن يبشرنا بأنه يرشح نفسه لكى يتبنى تحقيق مطالبها، دون أن يشعر بأى تناقض.
إن السيد سليمان يطرح نفسه مرشحا للرئاسة بتوكيل ممن يسميهم «حزب الكنبة» ويعتبر أن فى ذلك ما يكفى ليكون مرشحا محتملا لبلد قام بثورة ضده هو شخصيا، وكأنه هو الآخر صدق أن الثورة ماتت وأن أقدام المصريين لم تعد تعرف الطريق إلى الميادين.
وربما صورت له حالة الفرح التى يتعامل بها إعلام الفلول مع خبر ترشحه أن مسألة ترشحه شىء عادى وطبيعى، ما يجعله يبدو وكأنه ينسى أنه ظل على مدار 18 عاما هو «الرجل اللى واقف ورا حسنى مبارك»، ويدفعه لأن يصدق أنه الشخص الذى تنتظره مصر للانطلاق على طريق الأمن والاستقرار والاستثمار وأنهار العسل واللبن التى سوف تجرى على يديه.
لقد كان عمر سليمان جزءا لا يتجزأ من نظام ثارت عليه مصر، ومقاوما حتى اللحظة الأخيرة لهذه الثورة، وإذا كان يزعم أنها نجحت لأنها كانت مدعومة من قوى خارجية فهذا اعتراف صريح بالفشل والعجز فكيف يكون قادرا على تحقيق الأمان والاستقرار للمصريين بعدها؟
إن الشىء الإيجابى الوحيد الذى يأتى من اجتراء عمر سليمان على الترشح هو بعث الروح فى الثورة المصرية مرة أخرى، وإذا كان هناك من يظن أن النموذج الرومانى قابل للتمصير فهو غارق فى دوامات من الوهم، فنحن الآن فى 2012 ولسنا فى نهاية الثمانينيات، وبالتالى فإننا بصدد بنية مجتمعية ووعى سياسى مختلف، ولذا لن يحل نائب شاوشيسكو مكان الديكتاتور.
ولا أظن أن أصحاب الضمير فى مصر يمكن أن تنطلى عليهم لعبة الرجل القوى القادم وفى يده الأمن، وفى الأخرى الرفاهية، اعتمادا على فزاعة الإسلاميين، فقد مضى العهد الذى يستبدل به الناس ديكتاتورية دينية بأخرى أمنية قمعية.
لقد كانت ثورة الكرامة الإنسانية، وعليه فمن العبث أن يتصور أحد أن هناك من يستجيب لمقايضة حريته وكرامته برغيف عيش ودورية أمنية.