كرة القدم كانت السياسة
حسن المستكاوي
آخر تحديث:
الخميس 9 أبريل 2015 - 10:55 ص
بتوقيت القاهرة
** قال رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب فى افتتاح أعمال الجمعية العمومية للاتحاد الإفريقى إن كرة القدم فى مصر أهم من السياسة. والواقع أن كرة القدم فى مصر كانت سياسة حتى يناير 2011.. وكانت الفرق أوطانا، وكان المنتخب وطنا، وكانت انتصارات الفرق المصرية والمنتخب الوطنى تشهد مظاهرات فرح بالآلاف وأحيانا بالملايين.
** لقد كانت انتصارات المنتخب الوطنى مشروعا قوميا. فتعم الاحتفالات، وتشدو برامج الإذاعة والتليفزيون بالأغانى الوطنية، من "المصريين أهمه" إلى "مشربتش من نيلها" وكان رد فعل المصريين إزاء هذه الأغانى هو الشجن والانفعال والشعور بالكبرياء. وأذكر أن مقدمة برنامج فى التليفزيون قالت قبل مباراة مهمة للمنتخب: "وفى حالة فوز الفريق القومى سوف نذيع على حضراتكم أغنية المصريين أهمه".. ولم أسمع فى حياتى البى بى سى مثلا تعلن عن أغنية وطنية فى حالة فوز منتخب إنجلترا من نوع: "الإنجليز أهمه حيوية وعزم وهمة".. ولم تشدو مطربة أمريكية بأغنية تقول: "مشربتش من المسيسبى".. ولا أعترض على النيل ولا على الأغنية، فالنيل بالنسبة لنا رمز أكبر من أن يكون مسقى، هو النهر الذى وهب الصحراء تلك الحياة.. لكنى أعترض على اختصار الوطن فى فريق، وعلى اختصار الوطنية فى فوز هذا الفريق.. الاعتراض واضح وهو الاختصار، فلا أنكر الفرحة الوطنية لتلك الانتصارات، لكن فى الاوطان هناك ما يجب أن يحرك المشاعر الوطنية بجوار كرة القدم.
** لكنها قصة قديمة.. فقد تطورت الأغنية الوطنية من ثورة 1919 على يد العبقرى سيد درويش، وكانت مصر فى معركة ضد الاحتلال وفيها ثورة. ثم عبرت الأغنية الوطنية عن معارك مصر فى البناء والتعمير والحروب فى الستينيات عبر العباقرة صلاح جاهين والابنودى وعبدالحليم وعبدالوهاب.. وأم كلثوم طبعا، من والله زمان يا سلاحى إلى عدى النهار.. ثم غنت وردة على الربابة وحلوة بلادى السمرا فى حرب أكتوبر وغنى معها العديد من المطربين، وكانت مرحلة مشحونة بالوطنية، فالفن هنا كان صوت المصريين فى حربهم وفى انتصارهم فى تلك الحرب.
** فيما بعد أصبحت الأغنية الوطنية مفتعلة، ولا تصدق، لأنها تطلق فى مناسبات احتفالية مصنوعة، والقليل منها نجح، وما نجح منها وجده المصريون معبرا عن انتصارات فرق كرة القدم.. ولعلكم تذكرون أغنية "لو سألتك أنت مصرى".. لنانسى عجرم أيام حرب 2006 ومشهد الأعلام المصرية بالأستاد (عفوا كأس الأمم الإفريقية فى 2006 ).. فقد باتت المشاعر الوطنية تنفجر مع انتصارات الفرق المصرية.. على الرغم من مشروعات قومية أو قيل إنها قومية مثل مترو الأنفاق، ولكن المترو لم يغن له أحد ولم يحرك الشعور الوطنى مثل فوز الأهلى على الصفاقسى بهدف أبوتريكة!
** كانت كرة القدم لسنوات وبعد مرحلة حرب أكتوبر، وقبل يناير 2011 هى السياسة.. وليست فقط أهم من السياسة.. وأذكر هنا أنه فى حالات فوز منتخب مصر كانت الصحف تكتب مانشيتات عريضة صارخة وزاعقة: "مصر تهزم ".. لكن فى حالة خسارة المنتخب كانت مانشيتات الصحف خافتة متوارية وربما مختفية وتقول: "هزيمة المنتخب ".. فمصر هى المنتصرة فى مباراة والمنتخب هو المهزوم فى مباراة!