عودة إلى الحوار بين أهل الأديان
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 9 أبريل 2019 - 10:50 م
بتوقيت القاهرة
الدكتور يزيد سعيد، أستاذ دراسات دينية مرموق فى جامعة ليفربول هوب ببريطانيا، يمتلك الثقافة، والوعى بالتراثين الإسلامى والمسيحى، ونشأته فلسطينيا جعلته أكثر انفتاحا على الأديان، ومعرفة أوجه بناء ثقافة الحوار والسلام فيما بين المؤمنين بها.
أصدر منذ شهور كتابا مهما خلاصة خبرة وتجربة، بحث ودراسة، بعنوان «مستقبل الحوار بين الأديان: لقاءات مسلمة ــ مسيحية حول «كلمة سواء». عدت إلى هذا الكتاب بعد حادث نيوزيلندا الإرهابى ضد المسلمين، وأحداث إرهابية مشابهة فى نيجيريا ضد المسيحيين فى محاولة تذكر الحوار واللقاء بين أهل الأديان.
الهدف من الكتاب الوصول إلى عمل مشترك بين مفكرين وعلماء مسيحيين ومسلمين معاصرين بهدف تحقيق التعاون الإنسانى فى مجال الخير والرعاية المتبادلة، ويصف المؤلف هذه الحالة بأنها تعبير عن «صورة الحرية الإنسانية، ومستوى نضج إنسانى مخلص للعقيدة المسيحية والإسلامية فى آن واحد».
يتناول الكتاب مبادرة «كلمة سواء» بوصفها حالة دراسية لمفهوم وغايات الحوار. انطلقت هذه المبادرة منذ حوالى اثنى عشرة عاما بالتحديد فى يوم 13 اكتوبر 2007 تحت عنوان «كلمة سواء بينكم وبيننا». جاءت فى شكل رسالة وقع عليها نحو 138 عالما مسلما فى الغرب إلى الكنائس المسيحية، وتهدف إلى العمل المشترك بين المسلمين والمسيحيين فى تحقيق الخير العام بعيدا عن أى حوارات لاهوتية أو عقدية تثير الجدل أو الخلاف أو تدفع إلى الشقاق والكراهية. المبادرة دعوة للانطلاق من القيم الإنسانية العليا للأديان، ويلفت المؤلف الانتباه إلى أن الاعتماد فقط على قاسم واحد مشترك فى الحوار هو «محبة الله ومحبة القريب»، لا يكفى بل يجب ترجمة هذه المحبة فى مبادرات لتحقيق الخير المشترك، حيث يعبر المؤمنون بالأديان عمليا عن قيمهم، ومعتقداتهم فى محبة الآخرين، وبناء السلام معهم. يقول المؤلف «حتى وإن اتفق المسلمون والمسيحيون حول اهمية محبة الله ومحبة القريب، فهذا لا يدل فى حد ذاته بأن مفهوم المحبة هنا مفهوم حيادى الطابع، وكأنه لا حاجة لنا إلى العقائد الدينية. العكس هو الصحيح. مفهومنا لمحبة الله ومحبة القريب ينبع من إدراك كل من المسيحيين والمسلمين لعقائدهم، التى تدعوهم إلى ذلك، وتؤسس العلاقات بينهم على هذا الفهم».
الكتاب دسم، فيه كثير من شرح قضايا دينية وعقائدية، فقهية وشرعية، وخوض فى شرح وتفسير نصوص دينية، وقد أظهر المؤلف براعة فى ذلك، فهو متخصص فى الدراسات الإسلامية، ودرس بعمق الفقه الإسلامى، أسوة بدراسته للاهوت والكتاب المقدس. الكتاب مبدع، وأفضل ما فيه أنه يتأسس على العلم فى مجال الحوار بين المؤمنين بالأديان، ولا يلجأ إلى خطابات المجاملات، والعبارات الفضفاضة، والأحاديث العامة التى لا تبنى وعيا، وتخلق ثقافة التعايش والحوار، والفهم العميق لجوهر المحبة المتبادلة المؤسسة على إدراك العقائد، لا الفرار منها مثلما يدعونا البعض فى خطابات تعزل المرء عن واقعه، وعقيدته.
أعرف بالطبع أن فى المجتمعات يأتى دائما الحديث عن حقوق المواطنة فى المقدمة بصرف النظر عن الاختلاف بين المواطنين فى اللون أو المعتقد أو الوضع الاجتماعى أو الجنس أو ما شابه، ولكن إدراك حقوق المواطنين فى القانون شىء، وإدراك الناس لعلاقات انسانية عميقة مؤسسة على فهم رحب للعقيدة، والتسامح مع الاختلاف أمر آخر. عن هذه يتحدث الكتاب دون إغفال للأولى بالطبع.