عن الضحايا!
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
السبت 9 مايو 2015 - 9:35 ص
بتوقيت القاهرة
لم نعد نسمع منهم، والقليل نطالعه عنهم. يقبعون خلف الأسوار وخلف الأبواب المغلقة، بعضهم من ذوى الأسماء المعلومة للرأى العام والكثير منهم لا يتابع أحوالهم إلا ذووهم والمحامون المدافعون عنهم.
عنهم جميعا أكتب، دون معايير مزدوجة تمرر نزع كل قيمة أخلاقية وإنسانية عن البعض وترضخ لهيستيريا التشويه والتخوين والعقاب الجماعى بشأن البعض الآخر، عن الطلاب والشباب ومتوسطى العمر وكبار السن، عن المنتمين لجماعة الإخوان ولمجموعات أخرى فى اليمين الدينى وعن أعضاء حركة 6 إبريل وعن رافضى السلطوية وحكم الفرد والمدافعين عن الأمل فى مصر العادلة والديمقراطية، عن المحتجزين والمحبوسين احتياطيا وعن مسجونين بعقوبات أقرتها محاكم مختلفة.
•••
عنهم جميعا أكتب، مذكرا بأنه ليس من المروءة فى شىء ــ ومخاطبى هنا هم عموم المواطنات والمواطنين، ولا من الالتزام بقيم ومبادئ الديمقراطية فى شىء ــ ومخاطبى فى هذا السياق هم أصوات ومجموعات الدفاع عن الحقوق والحريات:
1 ) أن نصمت عن حقهم الأصيل فى إجراءات تقاضى عادلة ونزيهة.
2 ) أن نتجاهل حقوقهم الأساسية المتمثلة فى صون الكرامة الإنسانية، والامتناع عن المعاملة التعسفية ــ كالحبس الانفرادى فى الحالات التى لم ينص عليها القانون، وإلغاء فترات التريض اليومى دون أسباب، وغيرها، واحترام الخصوصية، والتمكين من التواصل مع الأهل والمحامين ومنظمات حقوق الإنسان دون قيود أو معوقات أو شروط غير مقبولة ــ كالفواصل الزجاجية التى تحول بين المحتجزين والمحبوسين والمسجونين وبين احتضان ذويهم ولو لدقائق معدودة أثناء الزيارات المقررة والمراقبة.
3 ) أن نستسلم لتحويلهم إلى مسكوت عنه على المجتمع أن يتناساه، ولا يستدعيه إلى سياقات الاهتمام والمتابعة والوعى إلا لتأييد العقوبات المنزلة بهم أو للتلصص على خصوصياتهم، وهم فى أقفاص الاتهام أو وراء الأسوار.
4 ) أن نتنكر لحقهم وحق ذويهم أيضا، وبمعزل تام عن طبيعة الاتهامات الموجهة لهم من قبل السلطات الأمنية أو القضائية وبمعزل أيضا عن انحيازاتنا الايديولوجية والسياسية، فى التعبير السلمى والعلنى عن رفضهم للمظالم التى يتعرضون لها فى أماكن الاحتجاز ــ ومنها وردت بعض الأنباء المتواترة أخيرا عن جرائم التعذيب، وبفعل الحبس الاحتياطى ــ الذى ما أن ألغى حده الزمنى الأقصى حتى طالت فتراته ليقف بعض ضحاياه اليوم على حافة «عامين كاملين فى الحبس الاحتياطى»، وفى السجون – التى كثيرا ما تخفق محاولات ممثلى النيابة العامة التعرف على حقيقة الأوضاع بها، وكثيرا ما يصيب الفشل أيضا مساعى هيئات كالمجلس القومى لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية غير الحكومية لمتابعة أحوال القابعين وراء أسوارها.
5) أن نتورط فى الاستعلاء على الواجب الأخلاقى والإنسانى فى مساعدتهم ومساعدة ذويهم على إسماع أصوات رفض المظالم للرأى العام، والمطالبة العلنية بإيقافها وبمساءلة ومحاسبة المتورطين فيها وفى جميع الانتهاكات من الحبس الانفرادى إلى جرائم التعذيب.
عنهم جميعا أكتب.
•••
لأن خطايا الصمت والتجاهل والاستسلام والتنكر والاستعلاء باتت تتهددنا باستلاب الضمائر، ومحاصرة العقول، وتكميم الأفواه، وشل الأيادى عن تدوين كلمة الحق.
لأن مقاومة السلطوية الجديدة التى أضحت ملامحها الرئيسية من حكم الفرد وعصف بسيادة القانون وطغيان للأمنى وإماتة للسياسة حاضرة فى تفاصيل حياتنا اليومية وفى مضامين إدارة ترابطات الدولة والمجتمع والمواطن تستدعى ضمائر حية، وعقول نقدية، وأفواه وأيادى لا تخشى فى الحق لومة لائم تقدر على تحمل أعباء المقاومة المرهقة للسلطوية التى أبدا لن تأتى قصيرة المدى الزمنى.
لأن من بين مقتضيات اكتساب مقاومى السلطوية الجديدة لشىء من القبول والتعاطف المجتمعيين، واستعادة الكثير من أصوات ومجموعات الدفاع عن الحقوق والحريات لبعض من مصداقيتهم الأخلاقية والإنسانية – وهذه فقدت إن بفعل «صمت البدايات» عن انتهاكات ما بعد صيف 2013، أو بسبب مقاربات زجت بها الانحيازات الايديولوجية والسياسية وانقلاب نخب فكرية وثقافية وحزبية على قيم ومبادئ الديمقراطية إلى غياهب التعامل مع الانتهاكات بمعايير مزدوجة ــ تأتى فى الطليعة ضرورة الانفتاح على ضحايا الانتهاكات وأصحاب المظالم دون تمييز أو تصنيف والإنصات المخلص لرواياتهم وروايات ذويهم.
•••
لأن مقاومى السلطوية الجديدة وأصوات ومجموعات الدفاع عن الحقوق والحريات يحتاجون لأن يذكروا ويذكروا باستمرار بضحايا الانتهاكات والمظالم دون تمييز أو تصنيف؛ أولا لكى يواجهوا بفاعلية ضغوط الالتحاق بأسراب طيور الظلام المبررة للسلطوية والمروجة لمقايضة الحرية والأمن إن طلبا للحماية من القمع والعنف الرسميين أو يأسا متعجلا من فرص التغيير الإيجابى إزاء حكم الفرد وطغيان الأمنى على كل ما عداه، ثانيا لكى يواجهوا أيضا بفاعلية النزوع الكارثى فى أوساط جماعة الإخوان وفى بعض خانات اليمين الدينى الأخرى نحو الراديكالية والتطرف والعنف ونحو تبرير الإجرام الإرهابى ضد المواطن والمجتمع والدولة واستعداء وتخوين جميع المختلفين معهم بظلامية لا تقل قسوة عن ظلامية تبرير السلطوية وبادعاء ثورية لا يضاهيها فى الزيف سوى رفع مطالب وشعارات ديمقراطية وطرح «مبادرات لتوحيد القوى الديمقراطية فى مصر» دون ممارسة المراجعة الجادة والنقدية لانقلاب الإخوان وحلفائهم على قيم ومبادئ الديمقراطية بين 2011 و2013، ثالثا لكى يتغلبوا على وضعية الاستقطاب الحاد الراهنة التى مازالت تمنع البعض من المزج بين رفض الانتهاكات التى تعرض ويتعرض لها الإخوان وحلفاؤهم منذ صيف 2013 ورفض تورط بعضهم فى جرائم وحمل للسلاح وممارسات عنف، بين رفض انتهاك حقوقهم وحرياتهم ورفض الانتهاكات بحق آخرين بين أوساط الطلاب والشباب واليمين واليسار، بين رفض الانتهاكات عموما ومقاومة السلطوية الجديدة بوضوح ورفض الإرهاب والعنف وكافة أشكال التورط فى الخروج على القانون، بين رفض انتهاكات الحقوق والحريات ورفض تهديد أمن المواطن وسلم المجتمع وتتماسك الدولة الوطنية.
عنهم جميعا أكتب.