ارحموا تلاميذكم
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
السبت 9 مايو 2015 - 10:00 ص
بتوقيت القاهرة
من أهم ما تعلمته من سنوات المعتقل أن البناء صعب والهدم سهل.. وإدخال الناس إلى السجون فى مصر سهل وإن إخراجهم صعب جدا.
وكنت أكرر دائما: يمكن أن يدخلك نقيب أو حتى مخبر السجن ولكنك لن تخرج حتى يوقع الوزير بنفسه أمام اسمك وذلك بعد سلسلة طويلة من التوقيعات.
كما تعلمت أن إغلاق السجون والتضييق على السجناء ميسور ومتكرر أما فتح الزنازين والعنابر وتحسين السجون فصعب ونادر.
وقد بذل المرحوم اللواء/ أحمد رأفت جهودا مضنية لإقناع ضباط السجون ومديريها بتحسين الأحوال وتجاوز لوائحها العتيقة وقد استغرقت جهوده ثلاث سنوات بعد مبادرة منع العنف 2001 حتى أضحت السجون المصرية أفضل سجون المنطقة العربية لسنوات وتوقفت كل التجاوزات حتى أصبحت العلاقة بين السجناء وساجنيهم أفضل ما تكون وحصل الكثير من السجناء وقتها على شهادات الماجستير والدكتوراه.. فضلا عن البكالوريوس وغيرها.
وقام السجناء الإسلاميون بتحويل السجون إلى واحة فيها الأشجار والزهور والخضرة التى زرعوها وصنعوا الطعام الجيد بأنفسهم.. وحولوا السجن إلى ورش للأركت وجلسات لمدارسة العلم والفقه.. وملاعب للرياضة.
لقد كان الأمر يصدر بإغلاق السجن كله «فسح وزيارات ونحوهما».. فينفذ المأمور فورا دون مناقشة مهما كان الإغلاق مخالفا للقوانين.. أما إذا طلبت منه نفس الجهات الفتح والتحسين إذا به يحتج بالقوانين واللوائح والحراسات وعقلية ونظام السجون فى مصر وقوانينها لم تتطور من الستينيات وحتى اليوم.
فالحياة علمتنى أن أوامر الشر والتضييق تسرى سريعا كالهواء.. أما أوامر الخير والتيسير فيقف أمامها ألف عائق.
كما أن واقع الحياة صدق ما قاله الشيخ عمر التلمسانى فى أوائل السبعينيات «يا أولادى أنا لا أريدكم أن تدخلوا السجون».
وقد سخرت حياتى منذ زمن طويل لمحاولة منع الناس من الدخول إلى السجون.. فكل هذه الحشود الهادرة التى تجتمع فى المؤتمرات الإسلامية الحاشدة والتى قد تهتف حناجرها أنه لا يهمنا السجن أو الموت.. قد تصبر على الموت ولكنها قد لا تصبر على السجن.
وقد رأيت شبابا لا يصبرا شهرا على السجن حتى لو كان فيه سعة.. وقد مكثت قرابة ربع قرن والحمد لله لم أقل «آه» لعلة بسيطة أننى شغلت روحى بالرضا العميق وبدنى بالعمل المتواصل وعقلى بطلب العلم وبذله وبالكتابة والدراسة.. فضلا عن معالجة المرضى.
إننى أقرر فى هذا العمر أن أفشل القادة هم الذين يزجون بالآلاف إلى السجون بكلمات حماسية لا مردود لها أو خطب أقرب للجعجعة بلا طحين أو بشعارات أقرب إلى شعارات اليساريين والناصريين فى الستينيات أو قرارات هوجاء لم تخضع للشورى ولا للدراسة أو كلمات حرب فى غير ميدان.
وأقرر أن أفشلهم من يحركون تنظيماتهم خارج السجون من داخلها.. فتغلق السجون على الجميع بـ«الضبة والمفتاح».. فلم يرحموهم لا داخل أو خارج السجون.
أو يظنون أن السجون مثل الخارج أو يمكن للسجناء أن يثوروا وكأنهم فى ميدان التحرير.. فتنقلب السجون من مأساة إلى مأساة أكبر ومن محنة إلى محنة أعظم.
إننى أكرر مطمئن الضمير.. إننا إذا لم نرحم أبناءنا وتلاميذنا ونجنبهم الحروب والصراعات التى لا طائل من ورائها والتى تدهسهم وتصرعهم كل عشر سنوات تقريبا فإن أحدا لن يرحمهم ولن يشفق عليهم ولن يوقر كبيرهم أو يرحم صغيرهم.. أو يشفق على مريضهم.