لحرب غزة خصوصياتها.. هل تحمل نهاياتها مفارقات جديدة؟
قضايا فلسطينية
آخر تحديث:
الخميس 9 مايو 2024 - 9:03 م
بتوقيت القاهرة
إلياس فرحات
شهد العالم فى هذه الحقبة أحداثا وحروبا مختلفة ومتعددة منها الحرب فى سوريا أو على سوريا، حرب ناغورنو كراباخ، حرب ليبيا، حرب السودان، حرب اليمن، حروب أفغانستان وغيرها. تميّزت جميع هذه الحروب بأنها وقعت بين فريقين أو أكثر ولكل داعميه، إلا حرب غزة التى تختلف كثيرا عن غيرها من الحروب التى انتهت أو ما تزال ناشبة بشكل أو بآخر.
من خصوصيات حرب غزة أن فريق غزة هو حركة حماس بقيادة يحيى السنوار ومحمد الضيف ورفاقهما، فيما تقف باقى قيادة حماس فى الخارج موقف الداعم والمؤيد والمتبنى لعملية «طوفان الأقصى» التى جرت، حسب الرائج، من دون علم قيادة الخارج.
أما على الساحة الفلسطينية، فقد وقفت السلطة الفلسطينية جانبا ولم تشارك أبناء الوطن معركتهم، لا بل انتقد بعض قادتها حركة حماس علنا وأحيانا بلهجة قاسية جدا.
ومن الخصوصيات أيضا أن حركة حماس لا تمتلك عمقا استراتيجيا مباشرا، لا سياسيا ولا عسكريا ولا لوجستيا يُمكنه أن يسندها فى حربها القاسية، وحتى فى القضايا الإنسانية من معالجة الجرحى والتموين بالأغذية والوقود والعناية الطبية.
• • •
ومن الخصوصيات أيضا أن الجميع يُدرك التفوق الكاسح لإسرائيل فى امتلاك أسلحة الدمار وتكنولوجيا توجيه القذائف والصواريخ والقدرات اللوجستية والقوة النارية الإسرائيلية الهائلة والدعم السياسى الدولى غير المسبوق، بينما راح العالم يحاصر حماس بتهمة «الإرهاب». زدْ على ذلك قدراتها العسكرية المحدودة التى يصعب أن تمكنها من الصمود بوجه الهجوم الإسرائيلى العاتى، من دون أن نغفل أن قطاع غزة محاصر منذ حوالى العقدين من الزمن.
ومن الخصوصيات غير المسبوقة أنه مضى أكثر من مائتى يوم وما زال القتال ناشبا فى شمال غزة ووسطها.. والآن فى جنوبها (رفح تحديدا)، وإسرائيل عاجزة عن تحقيق هدفيها المعلنين: سحق حماس وتحرير الأسرى الإسرائيليين، ولو أنه يُسجل لها أنها نجحت فى تدمير غزة وأن آلة الدمار الإسرائيلية تمكنت من قتل حوالى 35 ألف فلسطينى وجرح أكثر من 78 ألفاً ناهيك بأكثر من عشرة آلاف مفقود وجعل أكثر من 75% من مناطق القطاع غير قابلة للحياة جرّاء تدمير ثلاثة أرباع المبانى ومعظم المستشفيات ودور العبادة ومؤسسات الأونروا والجامعات والمدارس والمقابر والبنى التحتية.
• • •
ومن الخصوصيات على الصعيد الدولى، حصول ما لم يكن بالحسبان، أى تحرك الضمير الدولى الذى كان نائما منذ ثلاثة أرباع القرن؛ وتمثل ذلك بتقدم دولة جنوب إفريقيا البعيدة عن ساحة الصراع، بدعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية. لم تأتِ الدعوى بطلب من حركة حماس أو أى جهة فلسطينية بل من تلقاء نفس هذه الدولة التى عانت ما عانت على مر التاريخ، فقرّرت أن تستجيب للضمير الإنسانى والأخلاقى، فكانت هذه الدعوى بمثابة قنبلة انفجرت بوجه إسرائيل وداعميها وكل السرديات الإسرائيلية الممجوجة منذ عقود من الزمن. أصبحت إسرائيل متهمة وتجهد للدفاع عن نفسها وعن صورتها ولم ينفعها اتهام جنوب إفريقيا بالخضوع لحركة حماس بل أثار سخرية العالم.
ومن الخصوصيات أيضا، ما تسرب عن اقتراب إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يؤاف جالانت ورئيس الأركان هرتسى هليفى، وهذا ما أثار قلق الولايات المتحدة حيث أعلنت عدم موافقتها على فتح التحقيق الذى يُجريه مكتب المدعى العام فى المحكمة الجنائية الدولية.
وفى تدخل فاضح، نقل موقع «إكسيوس» أن عددا من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى من الحزبين الجمهورى والديموقراطى أجروا لقاءً افتراضيا مع كبار المسئولين فى المحكمة الجنائية الدولية، للتعبير عن قلقهم بشأن احتمال إصدار مذكرات اعتقال بحق مسئولين إسرائيليين. ونقل الموقع عن مسئولين إسرائيليين أنّ نتنياهو الذى يشعر بتوتر شديد بشأن مذكرات الاعتقال المحتملة، تحدث إلى العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين والديموقراطيين فى الأيام الأخيرة، وطلب منهم الضغط على المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية لعدم المضى قدما فى إصدار مذكرات الاعتقال. وكان سبق ذلك اتصال تلقاه الرئيس جو بايدن من نتنياهو الذى طلب مساعدة البيت الأبيض فى الضغط على المحكمة الجنائية الدولية لمنع صدور قراراتها المرتقبة.
وهكذا وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها تحاول تقويض ما تبقى من منظومة عدل دولية لمصلحة مضى إسرائيل بحرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى.
• • •
مع بدء الشهر الثامن للحرب، ما تزال حركة حماس تحتفظ بالقيادة والسيطرة وتقود قواتها وتفاوض بحيوية برغم التفوق الإسرائيلى والدعم الأمريكى؛ وفى المقابل، لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها، كما ذكرنا أعلاه، أى سحق حماس واستعادة الأسرى، وظهرت إمارات التعب على جيشها وسياسييها ودبت الخلافات الداخلية الجدية وتراجع اقتصادها وباتت تعيش فى ضائقة سياسية وتضررت صورة التفوق التى كانت تظهر بها أمام دول العالم ولا سيما أمام جمهور اليهود.
وسط التخلى الدولى عن حماس وانتظار وفاتها، اتخذ حزب الله فى لبنان منذ صباح ٨ أكتوبر قرار إسناد جبهة غزة من خلال حرب استنزاف أدت إلى نزوح نحو مائة ألف مستوطن من ديارهم فى الشمال وخلق مشكلة نازحين غير مسبوقة فى إسرائيل واشغال قسم كبير من الجيش الإسرائيلى فى الأعمال القتالية فى الجبهة الشمالية، فضلاً عن إصابة مواقع عسكرية وتجهيزات رادارية وقتل وجرح أعداد من العسكريين. طبعا كلّف ذلك شهداء وجرحى ونزوحا وأضرارا إلا أن البيئة الحاضنة لحزب الله ظلت تحت سقف القرار السياسى الذى اتخذته قيادة المقاومة منذ اليوم الثانى لحرب «طوفان الأقصى».
وفى خصوصية فريدة من نوعها، كان قرار «أنصار الله» فى اليمن بفرض حصار بحرى على حركة الملاحة إلى موانئ العدو ومنع البواخر الإسرائيلية من عبور البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عُمان وغرب المحيط الهندى. وقد نفذت البحرية اليمنية قرارها فاعترضت بالنار أكثر من مائة باخرة وشلّت العمل فى مرفأ إيلات.
كما أسهمت فصائل عراقية بزيادة الضغط العسكرى على إسرائيل، من دون إغفال الدور الإيرانى الداعم للمقاومة الفلسطينية فى غزة والذى بلغ ذروته ليل 13 - 14 أبريل، عندما قرّرت طهران الرد على ضرب قنصليتها فى دمشق باستهداف العمق الإسرائيلى فى مواجهة عسكرية مباشرة هى الأولى من نوعها بين الجانبين منذ انتصار الثورة الإيرانية قبل 45 عاما.
• • •
ومن أهم الخصوصيات صحوة الضمير التى انطلقت من إفريقيا وأمريكا اللاتينية وبلغت الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وهكذا تسنى لنا أن نشهد ثورة طلابية (وأكاديمية) غير مسبوقة فى أعرق الجامعات الأمريكية، وهى ثورة شبّهها البعض بـ«ثورة العام ١٩٦٨» ضد حرب فيتنام. هذه الثورة التى تجرى محاولات لوأدها وقمعها يوميا رفعت شعارات دعم غزة ووقف النار ونصرة قضية فلسطين، والأهم أنها كسرت السردية الصهيونية المفروضة على شباب الغرب الذى رفضها بشدة معلنا بصوت عال «فلسطين حرة»، برغم محاولات شيطنته ووسمه بـ«معاداة السامية» أو «دعم الإرهاب».
ومن الخصوصيات أيضا أنها كشفت أن معظم الجامعات الكبرى فى الولايات المتحدة وأوروبا ترتبط بشراكات مع إسرائيل، وهذا يُشكل رصيدا علميا وثقافيا كبيرا لم يكن أحد على علم به من قبل.
ومن الخصوصيات أيضا ما قالته مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية أفريل هاينز (تجمع لـ١٨ جهاز مخابرات أمريكى) فى شهادتها أمام الكونجرس بأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة هزّت المنطقة، وتسببت بـ«تحديات أمنية وإنسانية جديدة»، وأكدت أن واشنطن تعتقد أن كيفية حل الصراع فى الشرق الأوسط ستُحدّد مستقبل الإقليم لعقود قادمة، وذلك فى إشارة إلى الطريقة التى ستنتهى بها الحرب الإسرائيلية على غزة.
من كان يتصور فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ أن حربا ستنشب فى غزة وسيكون لها خصوصيات تكسر المحرمات وتبدأ بتشكيل وعى عالمى حطّم الكثير من السرديات والخدع والمقولات الغربية والصهيونية التى عمرها من عمر نشوء كيان جعل المنطقة العربية أسيرة حروب وويلات ومآس كثيرة.
بعد عرض كل هذه الخصوصيات، يبقى السؤال هل سيكون لهذه الحرب خصوصية ما تُوفر لها نهاية مختلفة عن نهايات حروب كثيرة؟
عميد ركن متقاعد
موقع 180