كفاك أرجوك.. لن أحتمل أكثر


رضوى أسامة

آخر تحديث: السبت 9 يونيو 2012 - 8:35 ص بتوقيت القاهرة

فى الحقيقة يشغلنى موضوع النقد بشدة.. لا أقصد النقد الأدبى، لكنى أعنى انتقاد الآخرين لك، أن يركز الآخر على قائمة سلبياتك، ويبدأ بانتقادك بدعوى النصح، يفعل ذلك وشعاره المعلن مصلحتك.. تأمل معى منذ متى وأنت تستمع إلى تلك الشعارات التى تستهدف مصلحتك، أظن منذ الطفولة وأنت تستمع إلى قائمة من سلبياتك التى ينبغى عليك أن تعدلها ويلح الآخر عليك فى ذلك ويخبرك أنك غير مقبول بالمرة إذا لم تتغير.

 

منذ يومين كانت تهاتفنى أم لطفل صغير لم يتعدى الثامنة من عمره وتخبرنى كيف أنه استطاع نقل الدرس كاملا من على السبورة وذاكر جيدا هذا اليوم، كنت فرحة ومتحمسة للتغيير الذى طرأ عليه لكنها بمجرد أن جاء الطفل أمامها بدأت تتغير لهجتها للنقد، وتذكره بتاريخه السيئ، وكل الهنات التى مر بها وتذكره بتهديدها له، وأنها ستنقله إلى مدرسة حكومية تناسب قدراته الضعيفة، وأنها ربما تحرمه من التعليم.

 

المشهد الثانى لزوجة تخبر زوجها بضرورة فعل شىء تريده، والزوج وعد بتنفيذ هذا الشىء، لكنه لم يعطها موعدا محددا، فشعرت الزوجة بالتهديد وبدأت فى إلقاء اللوم على الزوج الكسول الذى دائما ما يتكاسل للقيام بأشياء مفيدة وذكرته بكل السلبيات والإحباطات التى تسبب فيها وبدأت بإلقاء اللوم عليه وتحول الموضوع إلى شجار عنيف.

 

المشهد الثالث لطلبة مدرسة ثانوى والبنات تناقشن الاحتياجات النفسية التى تدفعهن لإقامة علاقات غير مناسبة مع الجنس الآخر، اتفقن أن الاحتياج للقبول بغير نقد والحب والاهتمام والشعور بمدى أهميتك بالنسبة للآخر هى أكثر الأسباب التى تدفعهن للدخول فى علاقات.

 

يبدو النقد حجرا عثرا أمام التواصل، وتعليم الآباء والأمهات كيفية التواصل مع أطفالهم بدون نقد هى إحدى أولويات معظم البرامج الوقائية فى العالم والتى تتعامل مع الأطفال.

 

أن تتعلم كيف ترى الآخر ككل بإيجابياته وسلبياته أمر ضرورى فى التواصل ولن تتمكن منه إلا إذا كنت تفعل ذلك مع نفسك أولا، بمعنى لا تتوقع من أحد يقوم بالنقد الذاتى لنفسه طوال الوقت أنه سينجح فى التواصل مع الآخرين، ويركز على إيجابياتهم ويتسامح ويقبل السلبيات ولا ينتقد بشكل جارح ومؤذى.

 

الثقة هى مفتاح التحكم، أن تثق أنك يمكنك مواجهة هذا الأمر بالتعديل وستتجاوزه ،يعنى أنك تثق أن الآخر أيضا يمكنه فعل ذلك، وعندما لا تثق فى أن الآخر سيعدل من نفسه، فهذا يعنى أنك لا تثق فى قدراتك على تعديل نفسك.

 

نمط التربية الذى يقوم على التشكيك فى قدرات الطفل يجعله متشككا فى قدراته غير واثق منها وغير واثق فى العالم من حوله. إذا خلقت بيئة للطفل علمته فيها كيف يتعامل مع فشله وعجزه وضعفه بمنتهى البساطة وأن يقبل ما لا يستطيع تغييره الآن ستمكنه من التغيير وبناء قدراته والثقة فيها.

 

بناء الثقة يأتى من تكذيبك وتشكيكك فى كل المسلمات التى تربيت عليها والتى علمتك أنك عاجز عن فعل شىء ما، عندما بدأت أتعلم القيادة كان كل من حولى يؤكدون يوميا استحالة حدوث ذلك، وأننى لن أتمكن من القيادة أبدا، وكانت لديهم الدلائل الجاهزة التى تثبت إمكانية عجزى لكن من خلال التشكيك فى كل ما قيل، وتذكر كل ما استطعته من قبل وحققته من تحديات لقدراتى كنت أواجه الإحباطات والسلبيات التى تذكرنى دوما بعجزى.

 

لا أقصد من التشكيك أنك تعلم طفلك أو تتعلم أنت شخصيا أنك لست عاجزا، لكن الاعتراف المؤقت بالعجز والتسليم به لا يعنى الاستمرار فيه، لا تنكر عجزك، فقط أقبله وتعامل معه.

 

فكر بشكل عملى كيف ستتجاوز ذلك وإطلب من الآخرين أن يكفوا عن تذكيرك بهذا العجز، وأنت أيضا اقبل عجز طفلك وعلمه كيف يقبله وكف عن معايرته به وعلمه كيف سيتجاوزه، واقبل أنه فى طريقه لتجاوز ذلك، سيسقط مرات لأنك شخصيا لن تتمكن من عبور الطريق مرة واحدة.

 

تذكر أن مهمتك ليست تعليم الطفل العجز، فعندما نعلم أبناءنا العجز من خلال النقد طوال الوقت وعدم رضائنا عن معظم ما يفعلونه، ونورثهم وطن بحاجة إلى بناء وتغيير وهم لا يملكون الثقة فى بناء قدراتهم أو تغييرهم الشخصى، فنحن ندفعهم إلى العجز أمام هذا الوطن الجديد والاستمرار فى نقد آلياته دون القدرة على تجاوز ذلك واقتراح حلول حقيقية للخروج من الأزمة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved