يوم الجمعة.. يوم فريد من أيام الشهر الكريم ينتظره الإنسان المؤمن بلهفة ليتمم عباداته ويضاعف صلواته وينهل من القرآن ما يرمم به شروخ الروح ويلئم جروح الزمن. ذات النهار الجمعة يمارس أطباء معهد القلب القومى وجراحوه عبادة من نوع آخر أجل أثرا وأبعد تأثيرا هى عبادة العمل فى سبيل الله.
الجمعة تشارك أطباء معهد القلب وجراحوه فى يوم عمل طويل على مدار النهار فى ست غرف للقسطرة لإجراء تقنية دقيقة تستخدم فيها قساطر بالونية من نوع خاص لتوسيع الصمام الميترالى دون اللجوء للمعتاد من الجراحات. لكن تحسبا لحدوث أى مضاعفات أثناء العمل أو الكشف عن مفاجأة لم يحسب حسابها كان من الضرورى أن تكون هناك غرفة عمليات مجهزة على أهبة الاستعداد للتدخل كاملة العدد بدءا من الجراح إلى طبيب التخدير وطبيب الرعاية المركزة والممرضات المتمرسات.
كأنما قرر أطباء المعهد أن يأتى العيد مبكرا هذا العام فأقاموا له حفلا علميا حشدوا له كل المهارات والكفاءات والرغبة المخلصة فى علاج مرضى ضيق الصمام الميترالى من غير القادرين.
تبرع الأطباء بجهدهم وخبراتهم المختلفة وتكفل بشراء البالونات المستخدمة والمستلزمات الطبية مهندس شاب يمتلك شركة للمقاولات قرر أن يتأكد من الربح فى تجارة مع الله جل شأنه.
كانت العيون تتعلق بشاشة العرض والقسطرة وتزحف ببطء حتى تصل إلى فتحة الصمام المختنق لتنفتح فجأة بحساب معلوم وتظل مكانها حتى يتأكد الطبيب أن الصمام قد استجاب وتخلى عن عناده فاتسع مذعنا للقوة الناعمة التى مارستها البالونة الصغيرة فيبدأ فى سحب البالون بعد تفريغها.
القلب مضخة صغيرة للدم تتألف من أربع حجرات بينها أربعة صمامات كل منها يعمل فى اتجاه واحد فقط فى الأحوال العادية. الصمام الميترالى أحد الصمامات المهمة التى تستهدفه الحمى الروماتيزمية التى تصيب الأطفال والشباب وتنسحب مخلفة وراءها تشوها فى الصمام يؤدى إلى ضيقه الذى يتزايد بمرور الوقت محدثا أعراضا قاسية تبدأ بضيق التنفس واحتقان الرئات لتنتهى بما قد لا نتمناه من مصير تلك الإصابة الروماتيزمية وما تخلفه من ضيق أو ارتجاع فى عمل الصمام الميترالى تصيب البنات بنسبة أكبر من الذكور لتبدأ رحلة معاناة لطول أيام العمر وقد تتعقد إذا ما تزوجت الصغيرة وأشرفت على مصاعب الحمل والولادة أو كان لها أن تلجأ للجراحة لتوسيع الصمام وربما استبداله ما يتبع ذلك من تناول الأدوية المسيلة للدم مدى الحياة.
تحية واجبة لكل من أتى بالعيد قبل موعده وساهم فى هذا العمل الإنسانى من أطباء معهد القلب القومى الحافظين للعهد المؤدين لتمام الرسالة. تحية واجبة لكل من يمد العون لهم فى مهمتهم التى تكاد تبدو مستحيلة فى ظل امكانات محدودة ولوائح عقيمة.
تحية واجبة وتعظيم سلام للمجتمع المدنى الذى يرى أن دعم جهود معهد القلب القومى لعلاج مرضى القلب من غير القادرين ــ واجب وطنى فى المقام الأول.
أما أصحاب الرأى الآخر فى أن هذا هو واجب الدولة لا المواطنين فدعونى أسألكم بالله عليكم حتى تستطيع الدولة أو تنبه لضرورة أن تستطيع من يوقف اغتيالات شباب فى عمر الزهور بين ضلوعهم حينما تتوقف رئاتهم عن العمل ويترسب الكالسيوم فى صمام القلب لأنهم لا يملكون الحق فى العلاج؟!.
تحية واجبة لأطباء معهد القلب القومى فى معركتهم لتحقيق العدالة الاجتماعية ومساندة الناس فى مواجهة عجز المرض وقهر الحاجة.. تحية خالصة للمجتمع المدنى الذى يساندهم ويدعم موقفهم الوطنى.