قراءة فى مئوية الحزب الشيوعى الصينى
وليد محمود عبد الناصر
آخر تحديث:
الجمعة 9 يوليه 2021 - 7:20 م
بتوقيت القاهرة
تتابع الكثير من الدوائر العالمية من إعلامية وأكاديمية وبحثية الذكرى المئوية لإنشاء الحزب الشيوعى الصينى الذى يحكم الصين منذ انتصار الثورة الشيوعية فى الأول من أكتوبر 1949 وحتى اللحظة الراهنة، وقد قاد الحزب على مدار أكثر من ثلاثة عقود الزعيم الصينى الأسطورى الراحل «ماو زى دونج»، وخلفه لعامين فقط «هوا كوا فينج»، ثم جاء على رأس الحزب «دينج زياو بينج»، والذى أدخل العديد من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية على أيديولوجية الحزب وتوجهاته الاستراتيجية.
وبغض النظر عن اختلاف وتعدد أسباب اهتمام كل طرف بتلك الذكرى، فإنه لا يوجد شك أو خلاف حول أهمية الذكرى ودلالاتها، سواء على الصعيد الصينى الوطنى أو على أصعدة الدوائر الإقليمية التى تنتمى إليها الصين، أو على مستوى المشهد العالمى. فالحدث آنذاك كانت له دلالات، البعض منها استمر فى مراحل التحول التى مر بها الحزب بعد ذلك، على كل من تلك الأصعدة وعلى خطوط التماس والتداخل فيما بينها.
فالثابت أنه مع جميع التحولات التى شهدتها الصين على مدار ذلك القرن الذى مر منذ تأسيس الحزب الشيوعى الصينى، وهى جذرية وعميقة وتاريخية، كان العنصر الثابت والمشترك هو دور الحزب الشيوعى الصينى ليس فقط لقيادة تلك التحولات، بل قبل ذلك وربما أهم منه لطرح تلك التحولات فى المقام الأول.
فقد ارتبطت نشأة الحزب فى المقام الأول بكونها تمت فى كنف الجمهورية الصينية التى أسسها «صن يات صن» فى عام 1913، وإذا كان «صن يات صن» يعتبر تاريخيا هو قائد الثورة الوطنية الديمقراطية فى الصين، فإن الحزب الشيوعى طرح نفسه منذ نشأته باعتباره من سيقود الثورة الاجتماعية للشعب الصينى، وإن كان قد تحالف آنذاك مع الحزب الذى أسسه «صن يات صن» وهو «الكومينتانج» لفترة وجيزة فى سياق تحالف هش.
وعلى الصعيد الخارجى، ارتبط الحزب الشيوعى الصينى منذ السنوات الأولى التى أعقبت نشأته بمواجهة تصاعد الصراعات فى شرق آسيا، خاصة بين الصين واليابان، والتى كان تتويجها هو الحرب اليابانية الصينية الثانية التى بدأت عام 1937 وانتهت بهزيمة اليابان بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، حيث تعتبر تلك السنوات هى التى شهدت تصاعدا كبيرا فى شعبية الحزب داخل الصين لدوره الكبير فى التصدى لاستيلاء اليابان على أراض صينية.
ولمسيرة الحزب الشيوعى الصينى محطات تمثل معالما أساسية، سواء فيما يتصل بمسار تطور شعبيته ونضاله من جهة، أو فيما يتعلق بالتقدم الذى طرأ على بلورة أطروحاته العقائدية والأيديولوجية من جهة ثانية، أو فيما يرتبط بدوره الخارجى فى دوائر انتماء الصين الإقليمية وعلى صعيد المشهد الدولى العام من جهة ثالثة.
وتضمنت تلك المراحل «المسيرة الكبرى إلى الشمال» فى العقد الرابع من القرن العشرين والتى انتهت بالوصول إلى مدينة «يونان» واتخاذها نقطة انطلاق سواء فى القتال من جانب الجيش الشعبى التابع للحزب الشيوعى الصينى ضد خصومه الداخليين، وفى مقدمتهم قوات الصين الوطنية التابعة لحزب «الكومينتانج» الذى كان يقوده آنذاك «تشانج كاى تشيك»، أو فى القتال ضد القوات اليابانية بعد استيلاء اليابان على أجزاء من الأراضى الصينية بعد انطلاق الحرب الصينية اليابانية الثانية فى عام 1937.
وكان من أهم تلك المراحل انتصار الثورة الشيوعية ودخول قوات الجيش الشعبى العاصمة «بيجين» واستيلائها عليها بعد تحقيق الانتصار النهائى على قوات الصين الوطنية وتأسيس جمهورية الصين الشعبية فى الأول من أكتوبر من عام 1949.
وتلى ذلك مراحل تراوحت فى درجات نجاحها، فبدأت بحملة «دع مائة زهرة تتفتح»، التى قادها الزعيمان الراحلان «ماو زى دونج» و«جو إن لاى» وانطلقت فى منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، وهدفت إلى تشجيع المثقفين الصينيين على الإسهام فى النقاش حول ما هو مطروح من قضايا على الساحة الصينية، بهدف تشجيع الحوار الوطنى والتفكير فى اتجاهات مختلفة، وربما كانت تلك واحدة من المراحل المضيئة فى مسيرة الحزب الشيوعى والدولة فى الصين الشعبية.
أما المراحل التى تلقت الكثير من الانتقادات فى تاريخ الحزب الصينى فكان من أبرزها مرحلة «القفزة الكبرى إلى الأمام» فى نهاية العقد السادس من القرن العشرين، والتى هدفت إلى إحداث طفرة اقتصادية كبرى من خلال بناء المزارع الجماعية والتصنيع الزراعى فى الريف، ولكن انتهى الأمر بتراجع كبير فى معدلات أداء الاقتصاد الصينى.
كذلك كانت من المراحل التى تلقت انتقادات واسعة هى مرحلة الثورة الثقافية فى الصين، وهى التى جرت على مدار عقد كامل تقريبا منذ 1966 وحتى وفاة «ماو زى دونج» فى عام 1976، وشهدت سعيا من «ماو» للقيام بحملة تطهير سياسى واجتماعى تحت شعار استعادة نقاء الأيديولوجية الماركسية (الماوية)، وبعد اتهام «ماو» لعناصر داخل الحكومة والمجتمع بالسعى لاستعادة النظام الرأسمالى، وهى مرحلة شهدت صعودا ما سمى لاحقا بـ «عصابة الأربعة» وكانت منهم زوجة «ماو» نفسها، ولم يتم القضاء على هذه «العصابة» سوى بواسطة خليفة «ماو» وهو «هوا كوا فينج».
إلا أنه لا جدال أن التحول الأهم فى تاريخ الحزب الشيوعى الصينى وفى تاريخ الصين المعاصر بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، والباقى معنا بآثاره حتى اليوم، كان هو تولى «دينج زياو بينج» قيادة الحزب الشيوعى الصينى والدولة بعد فترة وجيزة لـ «هوا كوا فينج» قاد فيها الحزب والبلاد، ورفعه شعار واستراتيجية «التحديثات الأربعة» ودفعه الحزب لتبنى هذا الطرح، وهذه التحديثات شملت قطاعات الزراعة والصناعة والدفاع الوطنى والعلوم والتكنولوجيا، بهدف نقل المجتمع الصينى، بشكل تدريجى إلى مرحلة الرفاهية.
والواقع أن الحزب والدولة فى الصين حتى اليوم ما زالتا يسيران فى الإطار العام استرشادا بهدى هذا التحول الجذرى الذى قاده «بينج»، وهو الذى قاد الحزب والدولة لمدة عقد كامل منذ نهاية السبعينيات حتى نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، ومن أبرزها إسهامه الفكرى والعملى بإدخال مفهوم «اقتصاد السوق الاجتماعى». وكذلك وضع «بينجى» أسسا لتداول السلطة، وإن كان داخل حدود نظام الحزب الواحد، أى الحزب الشيوعى الصينى، والتى بقيت سارية لأكثر من عقدين من الزمان بعد تركه السلطة طواعية لضرب المثل بإرساء تلك القواعد فى عام 1989 وقبل وفاته فى عام 1997.
وتبقى حقيقة أن مسيرة الحزب الشيوعى الصينى ثرية بالدروس المستفادة ومراحل التحول التاريخية التى تبقى مجالا مفتوحا لكل من يرغب فى دراسة تلك التجربة الهامة.