هل يرفض الفريق السيسى المساعدات الأمريكية؟
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الجمعة 9 أغسطس 2013 - 10:30 ص
بتوقيت القاهرة
خلال مقابلة الفريق أول عبدالفتاح السيسى مع صحيفة واشنطن بوست اتهم السيسى إدارة الرئيس باراك أوباما بتجاهل إرادة الشعب المصرى وبعدم توفير الدعم الكافى وسط تهديدات بانزلاق البلاد إلى مستنقع الحرب الأهلية. وقال السيسى إن الولايات المتحدة «تركت المصريين وحدهم» فى الأزمة وإنها «أدارت ظهرها للمصريين»، مضيفا أن «المصريين لن ينسوا ذلك لأمريكا»، وتساءل: هل ستواصل الولايات المتحدة إدارة ظهرها للمصريين».
كذلك عبر السيسى عن غضبه لتأجيل توريد أربع طائرات مقاتلة من طراز إف- 16 للقوات الجوية المصرية.
ويعد ما سبق تحولا كبيرا فى رؤية العسكرية المصرية لمستقبل العلاقات مع واشنطن، خاصة مع ما مثلته تلك الكلمات من مفاجأة كبيرة لدوائر صنع القرار الأمريكى التى طالما رأت فى الجيش أكبر حليف لها داخل مصر. كذلك أضافت خلفية الفريق السيسى من كونه تلقى تعليما عاليا فى كلية الحرب الأمريكية مزيدا من الجدل حول هذه التصريحات التى رآها البعض بمثابة تهديدات غير متوقعة.
●●●
وتمثل المساعدات الأمريكية السنوية بشقيها العسكرى (1.3 مليار دولار) والاقتصادى (250) مليون دولار لغزا لا يمكن فهمه بسهولة. فمن ناحية ساهمت ما تلقته مصر خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وهو ما تعدى 75 مليار دولار، فى دعم قدرة الجيش المصرى بحصولها خلال الأعوام الأخيرة على تكنولوجيا عسكرية أمريكية متقدمة، إلا أن المساعدات نفسها تسمم العلاقات بين القاهرة وواشنطن عندما يستدعيها ويهدد بفرض شروط عليها أعضاء فى الكونجرس أو مسئولين فى الإدارة الأمريكية، واعتبار الكثير من صانعى القرار الأمريكى المساعدات مصدرا مهما للنفوذ والتأثير لهم فى الداخل المصرى.
ويزيد من تعقيد معضلة المساعدات رفض الأغلبية الساحقة من الشعب المصرى لها، ناهيك عن رؤية المصريين السلبية للسياسيات الأمريكية بصفة عامة. وأظهر استطلاع رأى أجراه مركز بيو المرموق خلال شهر مايو الماضى أن 58% من المصريين يرون أن المساعدات العسكرية ذات تأثير سلبى على مصر، فى حين رأى 10% فقط أن لها تأثيرا إيجابيا، ورأى 32% أن المساعدات ليس لها أى تأثير. وقبل ذلك بأقل من عام أظهر استطلاعا للرأى أجرته مؤسسة جالوب معارضة 82% من المصريين لتلقى مساعدات أمريكية.
يعتقد البعض خطأ أن رفض المساعدات سيؤثر سلبا على العلاقات الثنائية، إلا أنى أؤمن بالعكس تماما. أسس العلاقات بين الدولتين راسخة بما يجعلها لا تحتاج للاعتماد على المعادلة التقليدية «المساعدات مقابل التعاون». وقف أو رفض المساعدات لن يترجم فى عداء بين القاهرة وواشنطن، ولا تدهور للعلاقات. محاور العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين راسخة إذ إنها تعتمد على محور عسكرى تطور بما يشبه الزواج الكاثوليكى منذ توقيع مصر وإسرائيل اتفاق سلام عام 1979.
وتمنح العلاقات العسكرية واشنطن مزايا كثيرة أهمها مناورات النجم الساطع والتى تعد الأكبر من نوعها فى العالم. وتمنحها أيضا مزايا عسكرية ولوجستيكية مثل استخدام الأجواء المصرية، أو تسهيلات عبور قناة السويس للسفن والبوارج الحربية الأمريكية حتى تلك التى تحمل أسلحة نووية. ومن الصعب تخيل تضحية واشنطن بهذه المزايا بسهولة. ويمكن لمصر فرض رسوم تعوض بها قيمة المساعدات مقابل هذه التسهيلات.
أما محور التعاون المخابراتى فقد تطور مع تعاون المخابرات المصرية مع نظيرتها الأمريكية منذ محاولة تفجير برجى التجارة العالمى بمدينة نيويورك عام 1993، وتضاعف هذا التعاون بصورة كبيرة بعد أحداث 11 سبتمبر. أما محور الأمن الإقليمى فيمثل اليوم أهم هذه المحاور فى ظل التغييرات العنيفة التى تشهدها خريطة الشرق الأوسط منذ بدء ثورات الربيع العربى.
●●●
فى عالم السياسة لا تقدم الدول لبعضها البعض مساعدات مجانية أو بدون مقابل، فالمصالح هى ما يجمع بين الدول، وهذه المصالح قليلها مستمر ومستقر، وأكثرها متغير وغير ثابت. ويمنح رفض المساعدات الأمريكية صانع السياسية المصرى فرصة جديدة لإعادة هيكلة العلاقات بين الدولة الأكبر فى عالم اليوم من ناحية، وبين الدولة الأهم فى الشرق الأوسط من ناحية أخرى. ويرتبط بهذه النقطة منح مصر فرصة لتحديد مصالح القاهرة فى العلاقة الخاصة مع واشنطن.
لا يتخيل الخبراء الاستراتيجيون الأمريكيون عدم وجود علاقات خاصة مع جيش مصر، فهم يتذكرون جيدا دور جيش مصر فى حرب الخليج الأولى، تلك التى شارك فيها بما يزيد على 30 ألف عسكرى حاربوا بجوار الأمريكيين، وهو ما سهل من انضمام دول عربية أخرى للتحالف. ولا تريد أن تتخيل واشنطن وجود جيش مصرى عقيدته إسلامية متشددة، ويسعى للحصول على سلاح نووى مثل نظيره الإيرانى. ولا أن يكون موقفه رماديا من قضية الحرب على الإرهاب مثل الجيش الباكستانى.
وقطعا لا تريد واشنطن جيشا مصريا يحصل على سلاحه من دول أخرى منافسة مثل روسيا أو الصين، أو حتى صديقة مثل فرنسا وبريطانيا. لذا لم تتأثر مبيعات السلاح الأمريكية لمصر بالإطاحة بنظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ولم تتأثر بوقوع مصر تحت حكم عسكرى مباشر لمدة تزيد على عام ونصف العام، كذلك لم تتأثر مبيعات السلاح الأمريكى بوصول نظام حكم إسلامى للسلطة فى مصر، ولن تتأثر بإزاحة أول رئيس مصرى منتخب عن السلطة.
●●●
واليوم تدرك واشنطن أن مستقبل علاقاتها المستقبلى مع مصر أصبح مختلفا عما عهدته خلال السنوات الثلاثين الماضية. ولم تعد المساعدات الأمريكية ذات قيمة كبيرة ولم يعد لها تأثير فى حجم الاقتصاد المصرى، فعندما بدأ تدفق المساعدات الأمريكية فى عام 1981، كانت المنحة العسكرية السنوية تساوى أكثر من 5% من الناتج المحلى الإجمالى لمصر. وقد أصبحت تلك المنحة أقل من ربع بالمائة 0.25 % فى عام 2010.
فهل يبادر الفريق أول السيسى ويلبى رغبة المصريين ويطلب من إدارة الرئيس أوباما وقف كل برامج المساعدات العسكرية والاقتصادية المقدمة لمصر. لماذا لا يريحنا الفريق أول السيسى ويريح المتربصين بمصر داخل أمريكا والمتربصين بأمريكا داخل مصر، ويرفض كل المساعدات جملة وتفصيلا.