لبنان.. بين ذكرى المأساة وازدياد المخاطر والتحديات
ناصيف حتى
آخر تحديث:
الإثنين 9 أغسطس 2021 - 7:55 م
بتوقيت القاهرة
جاءت الذكرى الأولى لمأساة انفجار مرفأ بيروت والجريمة التى ارتكبت بحق الوطن لتؤكد لزوم العمل على كشف الحقيقة الكاملة ومحاسبة المسئولين عن هذه الجريمة. فهذا الأمر شرط أكثر من ضرورى لاستعادة مصداقية السلطة، كما يقول البعض فى لبنان وفى الخارج، أو لبناء مصداقية كانت مفقودة أو ضعيفة للسلطة فى لبنان كما يرى آخرون. مصداقية تبقى عاملا أساسيا إذا ما أردنا الخروج من النفق وولوج طريق الإصلاح الشامل والمتكامل فى السياسة والاقتصاد والاجتماع والإدارة. طريق طويل وليس بالسهل ودونه العديد من التحديات ولكن لا بديل عنه لوقف الانهيار وللوصول بالوطن إلى شاطئ الأمان. المؤتمر الدولى الثالث لدعم لبنان والشعب اللبنانى، الذى نظمته فرنسا والأمم المتحدة، تعهد فيه المشاركون بتوفير مبلغ ٣٧٠ مليون دولار خلال عام إلى جانب مساعدات عينية أعلنت عنها بعض الأطراف المشاركة وذلك تلبية للحاجات الضرورية والملحة لبلد على حافة الانهيار. لكن المؤتمر وجه رسالة واضحة إلى السلطة اللبنانية والطبقة السياسية الحاكمة بضرورة ولوج باب الإصلاحات الضرورية وتشكيل حكومة قادرة. الأمر الذى يعنى حكومة تكون بمثابة فريق عمل، حاملة لرؤية واضحة وخطة عمل متكاملة للإصلاح. خطة يبدأ وضعها موضع التنفيذ حال تشكيل الحكومة، بغية إطلاق المسار المطلوب للحصول على الدعم الدولى الموعود.
فهل تستمر لعبة التنافس الحاد على مغانم السلطة وعلى حساب إنقاذ لبنان، عشية استحقاقات انتخابية قادمة، كما نشهد فى «المعارك الدائرة» حول من يحصل على هذه الحقيبة الوزارية أو تلك فى عملية تشكيل الحكومة. يحصل ذلك طبعا باسم شعارات وعناوين حقوق الطوائف. نحن نشهد فى حقيقة الأمر صراعات على حساب الوطن وبالتالى على حساب جميع المواطنين أيا كانت انتماءاتهم الطائفية، طالما استمر هذا التناحر. فكل يوم تأخير فى تشكيل الحكومة المطلوب تشكيلها، يزيد فى تكلفة عملية الإنقاذ. هذا إذا ما شكلت الحكومة حسب الشروط المعروفة للإنقاذ، وليس على قاعدة المحاصصة شبه المقنعة، وهذا ليس بالأكيد، كما تدل على ذلك الحروب السياسية الدائرة والمعطلة لتشكيل «حكومة الإنقاذ».
تحدٍ آخر شهدناه خلال الأيام الماضية تمثل بالتسخين «المقيد» أو المنضبط الذى شهده الجنوب اللبنانى. بدا مع إطلاق صواريخ من «طرف مجهول» قيل إنه إحدى الفصائل الفلسطينية على إسرائيل والرد الإسرائيلى ثم تبادل إطلاق الصواريخ مع حزب الله. اشتباك مقيد فى المدة والحجم والأهداف (مناطق غير مأهولة) لم يخرج عن قواعد الاشتباك التى استقرت عبر الوقت ومنذ ما قبل العدوان الإسرائيلى على لبنان فى صيف ٢٠٠٦. البعض اعتبر أن ما حصل مؤخرا يدخل فى إطار لعبة تبادل الرسائل فى ظل تصعيد المواجهة المباشرة وغير المباشرة بين إسرائيل وإيران، باعتبار أن لبنان جزء من «مسرح مواجهة استراتيجى» إسرائيلى إيرانى واسع. مسرح مواجهة يمتد من مياه الخليج إلى مياه المتوسط. ما حصل مؤخرا فى بحر عمان (ضرب ناقلة نفط بريطانية أساسا كما قيل يملكها إسرائيلى) وقبلها اعتداء على ناقلة نفط إيرانية فى إبريل الماضى فى مرفأ بانياس فى سوريا «ورسائل» أخرى متبادلة ومشابهة فى البحر. «مسرح مواجهة» أيضا يمتد برا عبر المشرق: من العراق إلى لبنان عبر سوريا التى تشهد ازديادا فى حدة المواجهة بين الطرفين فى الحروب الدائرة فى سوريا نظرا للموقع الاستراتيجى التى تحتله سوريا فى «قلب» المنطقة العربية وتحديدا فى المشرق العربى. تندرج هذه المواجهة فى محاولة التأثير فى مسار المفاوضات النووية المتقطعة وغير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران فى فيينا تحضيرا للعودة لإحياء الاتفاق النووى (المعروف باتفاق ٥ زائد ١)، إلى جانب المواجهة الدائرة بين الولايات المتحدة وإيران فى المنطقة وتلك الدائرة بين إيران وقوى عربية رئيسية. شهدت هذه الأخيرة منذ مطلع هذا العام بعض اتصالات «أولية واستكشافية» بغية العمل على رأب الصدع فى تلك العلاقات. المرحلة الانتقالية أو الرمادية الحالية التى تشهد محاولات مباشرة وبالواسطة للتخفيض من حدة النزاعات والبدء بتطبيع العلاقات عادة ما تدفع كل طرف لمحاولة تجميع أكبر عدد من الأوراق التفاوضية بين يديه لتعزيز موقفه التفاوضى. ولبنان بتركيبته السياسية والمجتمعية وهشاشة وضعه وموقعه فى مسرح الصراع فى الإقليم، أيا كانت عناوين الصراع وأطرافه، جاذب لدور صندوق البريد. الدور الذى لعبه دوما لتوجيه الرسائل فى جميع الاتجاهات. فالتفاهمات بين القوى المؤثرة فى الإقليم أمر ضرورى للبنان حتى لا يبقى مجرد صندوق بريد فى صراعات المنطقة، ولكنه أمر غير كاف إذا لم يتم تحصين البيت اللبنانى من الداخل وبمساعدة ومواكبة من الخارج. فبناء الاستقرار الفعلى وليس الهش أو الشكلى والمؤقت بالتالى للبنان أكثر من ضرورى لاستقرار المنطقة. وللبنان مصلحة أساسية فى حصول انفراج فى العلاقات فى المنطقة عبر الحوار، أيا كان شكل هذا الحوار. حوار يؤسس لتفاهمات على قواعد واضحة تقوم على عدم التدخل فى شئون الآخر تحت أى مسميات أو ذرائع، كما نذكر دائمًا، وعلى بلورة أطر وأسس للتعاون على قواعد مستقرة تحفظ مصلحة الجميع؛ قواعد تحتوى وتنظم الخلافات وتبنى على المشترك لما فيه من مصلحة للجميع فى المنطقة. وإلى أن يحصل ذلك يبقى «المركب» اللبنانى فى مهب رياح هذه الصراعات المتعددة الأشكال والدرجات. ترتيب البيت اللبنانى مسئولية لبنانية أساسا لكن تحصين هذا «البيت» و«البيوت الأخرى» التى تشهد الحرائق فى المنطقة تستدعى حصول هذه المصالحات / التفاهمات.