منذ 7 أكتوبر.. ارتفاع حاد فى التوترات النفسية بين الإسرائيليين

قضايا يهودية
قضايا يهودية

آخر تحديث: الجمعة 9 أغسطس 2024 - 7:00 م بتوقيت القاهرة

تتوالى، منذ فترة، تقارير إسرائيلية مختلفة، بحثيّة وإحصائية، بدأت تكشف عن جوانب أخرى، غير العسكرية ـ السياسية ـ الاجتماعية ـ الاقتصادية، من النتائج والآثار التى نجمت عن يوم السابع من أكتوبر 2023 والهجوم المباغت الذى شنته قوى المقاومة الفلسطينية على عمق الأراضى الإسرائيلية فى منطقة ما يسمى «غلاف غزة». وتركز هذه التقارير على الآثار والنتائج الصحية، الجسدية والنفسية، التى طاولت وتطاول المواطنين الإسرائيليين- ناهيك عن النتائج التى طاولت ولا تزال تطاول العسكريين فى مختلف الأجهزة والتشكيلات الأمنية- ترتبا على الهجوم المذكور ونتائجه الميدانية وما تلاها من حرب إبادة تدميرية شنتها إسرائيل على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة ولا تزال مستمرة حتى هذا اليوم.

وتُجمع التقارير الإسرائيلية على أن أحداث الأشهر الممتدة منذ السابع من أكتوبر قد أوقعت، ولا تزال توقع أضرارا جسيمة جدا بين المواطنين الإسرائيليين، مؤكدة أن ما اتضح منها، فصار من الممكن حصره وتوثيقه ما هو إلا «رأس الجبل الجليدى» الذى لا يزال من غير الممكن معرفة حجمه ونطاقه ونتائجه الحقيقية، ثم تقدير آثارها وانعكاساتها على مجمل الوضع الصحى، الجسدى والنفسى، العام فى إسرائيل، من جهة، كما على مجمل منظومة الخدمات الصحية، الجسدية والنفسية، والاجتماعية، من جهة أخرى.

• • •

«حتى قبل السابع من أكتوبر طرأ لدينا ارتفاع فى الطلب على خدمات الصحة النفسية فى إسرائيل، لكنّ ما نراه منذ ذلك اليوم هو ارتفاع جديد حاد جدا فى الطلب على العلاج والمساعدة النفسيين لدى قطاع واسع من المواطنين من مختلف أنحاء البلاد، من كل الفئات العمرية ومن كل القطاعات السكانية»- هذا ما قاله وزير الصحة الإسرائيلى، أوريئيل بوسو، خلال مؤتمر عقد فى البحر الأحمر لبحث ومناقشة «البرنامج الإصلاحى فى مجال الصحة النفسية». وأضاف وزير الصحة، أمام المؤتمر، قائلاً: «ثمة تقديرات مختلفة بشأن عدد السكان الذين سوف يكونون فى حاجة إلى الخدمات والعلاجات النفسية فى أعقاب 7 أكتوبر ونتيجة له، وهى تتراوح ما بين 80 ألف إنسان وأكثر من نصف مليون إنسان!».

وتبين خلال جلسة عقدتها «لجنة الصحة البرلمانية» فى نهاية يونيو الماضى، أنه خلال الأشهر الثلاثة التى تلت يوم 7 أكتوبر، تلقى أكثر من 17،825 إسرائيلى «الدعم النفسى» فى مراكز «حوسِن للدعم النفسى». ويعادل هذا العدد، الذى كان معظمه من سكان الجنوب، ثلاثة أضعاف عدد الذين تلقوا هذا «الدعم النفسى» فى مراكز تلك الجمعية خلال 2022 كلها (5,148 شخص). كما تبين من المعطيات، التى قدمها «مركز الأبحاث والمعلومات» التابع للكنيست، أن 76 بالمائة من الذين تلقوا العلاجات فى مراكز «حوسن» كانوا من سكان منطقة النقب و4,5 بالمائة من منطقة الشمال و12 بالمائة تلقوا العلاج من خلال «المركز القُطرى».

وكانت «لجنة الصحة البرلمانية» تناقش، خلال جلستها تلك، عمل ونشاط «مراكز حوسن» التى أقامتها وزارة الصحة (قبل 7 أكتوبر) ويبلغ عددها 15 مركزا، بغرض سدّ جزء من النقص الذى كان قائما آنذاك فى مجال تشخيص أزمات نفسية لدى أفراد وعائلات، مرافقتها ومعالجتها وتقديم الدعم النفسى ـ العاطفى لها، من خلال لقاءات جماعية، برامج إرشادية للأهل، فعاليات توعوية وغيرها.

فى أعقاب نشوب الحرب ضد قطاع غزة، رُفعت ميزانية هذه المراكز بمبلغ 23,5 مليون شيكل، زيادة للربع الأخير من العام 2023، إضافة إلى 115 مليون شيكل للعام 2024، علما بأن هذه الميزانية كانت تبلغ قبل ذلك نحو 30 مليون شيكل، تساهم فى تمويلها وزارات حكومية مختلفة ومؤسسة «التأمين الوطنى». وخلال جلسة اللجنة البرلمانية، جرى التشديد على مشكلة نقص المبانى التى تحتاج إليها هذه المراكز، وخصوصا المبانى المحمية.

وتأتى معطيات أخرى توصلت إليها دراسة حديثة أجريت فى مستشفى «أسوتا» فى مدينة أسدود ونُشرت نتائجها فى أواسط يونيو الماضى. تقول هذه المعطيات إنه منذ 7 أكتوبر ازداد بمعدّل الضعفين (ارتفاع بنسبة 100 بالمائة) عدد حالات الإصابة بـ «متلازمة القلب المكسور» (أو التى تُعرَف، أيضا، باسم «اعتلال تاكوتسوبو القلبى»)- وهى اعتلال مؤقت فى عضلة القلب، تشبه أعراضه أعراض «النوبة/ الجلطة القلبية»، يحصل خلاله ضعف مفاجئ فيها يكون ناتجا، بصورة أساسية، عن ضغط عاطفى أو قلق مستمر.

• • •

أشارت المعطيات التى نشرها مكتب الإحصاء الرسمى الإسرائيلى، فى منتصف يوليو الأخير، إلى أن ارتفاعا كبيرا حصل فى عدد الإسرائيليين الذين يعانون من الأرق، كظاهرة مَرَضيّة، منذ يوم السابع من أكتوبر. وأوضحت أن 42 بالمائة من أبناء 20 عاما وما فوق بدأوا يبلغون، منذ 7 أكتوبر، عن أمور تثير قلقهم وتمنعهم من النوم بصورة متكررة، فى أحيان متقاربة أو من حين إلى آخر، مقابل 1 بالمائة كانوا يبلغون عن ذلك قبل ذلك اليوم. ويتوزع هؤلاء على النحو التالى: 48 بالمائة من النساء و36 بالمائة من الرجال؛ 37 بالمائة من أبناء 20-24 عاما و51 بالمائة من أبناء 75 عاما وما فوق. 18 بالمائة من هؤلاء عانوا من الأرق على مدى ثلاث ليالٍ متتالية أو أكثر فى الأسبوع.

وردت هذه المعطيات ضمن تقرير إحصائى رسمى حول «جودة النوم فى إسرائيل»، فى إطار المسح الاجتماعى العام لسنة 2023. وقد شمل المسح استطلاع آراء 6,474 شخص فى سن 20 عاما وما فوق، يمثلون نحو 6,2 مليون شخص فى هذه الفئات العمرية.

وبحسب المعطيات الرسمية هذه، يضطر الإسرائيليون إلى «استكمال ساعات النوم» فى العُطَل الأسبوعية، فى نهايات الأسابيع، إذ ينام أكثر من نصفهم ثمانى ساعات وأكثر فى نهايات الأسابيع. لكن هذا «الاستكمال» لا يحل مشكلة الإرهاق الذى يلازمهم طوال أيام الأسبوع، سواء خلال قيادة سياراتهم أو خلال ساعات عملهم. فقد تحدث 5 بالمائة من الإسرائيليين فى سن 20 سنة وما فوق عن «إرهاق شكل خطرا على حياتهم خلال قيادتهم مركباتهم»، تجسد فى إغماض العينين، الانحراف عن مسار السفر وغيرها من الظواهر. وكان بين هؤلاء: 5,4 بالمائة من الرجال و4,6 بالمائة من النساء؛ 4,5 بالمائة من اليهود و7,4 بالمائة من العرب؛ 6,1 بالمائة من أبناء 20-44 عاما و3,8 بالمائة من أبناء 45 عاما وما فوق.

التقرير الأخير الذى نعرض خلاصته فى هذا السياق هو نتائج بحثين علميين أجريا فى مستشفى «شاميرـ أساف هروفيه» مؤخرا ونشرت فى النصف الثانى من شهر يونيو الماضى وعنوانها المركزى هو: خلال الشهرين الأولين من الحرب الحالية (المستمرة) طرأ ارتفاع حاد جدا فى حالات موت الأجنّة وحالات الحمل خارج الرحم ـ أكثر من ثلاثة أضعاف المعدّل الذى كانت عليه خلال الفترة ذاتها فى سنوات سابقة.

يدور الحديث هنا حول بحثين منفصلين أجريا فى قسم الولادة والأمراض النسائية فى المستشفى المذكور وكان الدافع لإجرائهما ارتفاع عدد النساء الحاملات الوافدات إلى قسم الطوارئ فى المستشفى واللاتى تم تشخيص وفاة الأجنة فى أرحامهن خلال الفترة الأولى عقب يوم 7 أكتوبر.

وعزا الباحثون هذا الارتفاع إلى تأخر النساء الحوامل فى الوصول إلى العيادات أو إلى المستشفيات، بسبب الأوضاع الأمنية، وكذلك إلى «التوتر الكبير الذى كانت تلك النساء تعيشه، الأمر الذى حال دون وصولهن لإجراء الفحوصات اللازمة، ثم التدخلات العلاجية اللازمة، فى الوقت المناسب».

 سليم سلامة

المركز الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية (مدار)

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved