ساعدني وأساعدك


رضوى أسامة

آخر تحديث: الأربعاء 9 سبتمبر 2009 - 10:35 ص بتوقيت القاهرة

 تشغلنى هذه الأيام كل الأمور المتعلقة بالأطفال وتربيتهم، أخطط للكتابة للأطفال، لدى رغبة فى تجاوز الأهل ومخاطبة أطفالهم مباشرة، كما يحدث أحيانا فى العيادة، يدخل الأهل برفقة طفلهم، يلحون على بقائهم فى الجلسة ليصححوا مسار ما يقوله الأبناء، بالطبع أرفض بشدة بقاء الأهل، أجلس منفردة مع الطفل مستمتعة بالحديث معه بتلقائية شديدة، لأعود مرة أخرى إلى الأهل لنتحدث فى طرق التربية المناسبة لطفلهم.. يبدو إرشاد الأهالى لطرق التربية الصحية من أهم الأشياء لصحة أطفالهم النفسية.

منذ سنوات كنت متطوعة للعمل فى إحدى دور الأيتام، وكنت أرى العديد من المتطوعين يأخذون أبناءهم معهم ليعلموهم كيفية مساعدة الأخرين، كان الهدف نبيلا لكن التنفيذ فى غاية السوء، المشهد كان مؤلما لى بشدة، أطفال بؤساء يجلسون فى صف ليتلقوا هدية ملفوفة بعناية من طفل أنيق بصحبة والديه، ويستمعوا إلى كلمات التشجيع والثناء على سلوك هذا الطفل الأنيق.

بالطبع تعليم الطفل مساعدة الغير من أهم المهارات الأساسية فى تكوين شخصيته، لكن كيف نعلمه ذلك هو المهم، أظن أن استغلال الأحداث الجارية حولنا من أفضل الأمور التى تساعدنا على تقديم المهارات دون اصطناع.. فمثلا بمجىء رمضان يمكننا أن نجلس مع الطفل ونتناقش فى كيفية تقديم المساعدة للآخرين، نطرح الموضوع ونطلب من الطفل تقديم بدائل وموضوعات مختلفة للمساعدة، نتركه ليوم يفكر ويكتب مقترحاته فى ورقة يناقشها معنا، ونناقش مقترحاته بجدية شديدة مهما بدت ساذجة ونقدر تحمسه ونشجعه.

فلو تحدث عن إطعام كل الفقراء فى رمضان، نساعده على تحديد فئة بعينها ونسأله كيف يمكننا أن نساعد كل الناس مرة واحدة، نعلمه كيف يخطط ميزانية لهذا الحدث وفى ضوئها يحدد الفئة والعدد الذى يمكنه مساعدته.

وبعد اكشافنا للفئة، نبدأ فى تخطيط كيفية المساعدة، فلنفترض أننا توصلنا إلى مساعدة أسرة معينة، نحتاج لنناقش متطلبات هذه الأسرة ونقدرها معه، نتحدث معه عن تكلفة الأكل ومستلزمات المدرسة الأساسية التى قد يحتاجها هؤلاء الأطفال ولا يجدونها، نضع قائمة معا بالمتطلبات التى قد يحتاجها هؤلاء الأفراد، ونبدأ فى شراء الضروريات، بمساعدة الطفل، من المهم أن يساعد فى التخطيط لكل ذلك.

عند توزيع الأشياء على الأسرة يجب أن نراعى وجود أطفال آخرين فنبدأ بمناقشة الطفل فى تأثير وجوده على الأطفال الآخرين، وشعورهم بعجز والديهم، لا تملى على طفلك مشاعر بعينها، ناقشه فى إمكانية حدوث ذلك واسأله عن البدائل الممكنة، فاتركه يقول لك، إنك يمكن أن تقوم بذلك عنه حتى لا تجرح أطفال هذه الأسرة.. بعد مجيئك حدثه عن السعادة التى شعر بها الأطفال عند رؤيتهم للأشياء التى اختارها بنفسه، أشعره بقيمة ما فعل.

هذا أفضل كثيرا من الحوار السخيف الذى يجريه بعض الأهالى مع الأطفال عن أهمية شكر الله للأشياء التى اشتروها مؤخرا وأن هناك آخرين يقبعون فى الفقر لا يملكون مثل ما يملك، هذا الحوار من أكثر الحوارات سخفا واستفزازا.. أظن أننا جميعا ونحن صغار تعرضنا لهذا الموقف من أهالينا وكان لسان حالنا يقول «مش عايز حاجة منكم خالص».

من خلال ما حدث فى تعليمه لمهارة مساعدة الغير، أنت علمته مهارات عديدة أخرى مثل بعض المهارات والقدرات الحسابية أثناء وضعه للميزانية، أيضا علمته مهارة التخطيط الجيد، وبعض المهارات المتعلقة باختيار الأشياء والإيثار، فهو يختار أشياء تعجبه فى ضوء الميزانية المقترحة ويعطيها لغيره.

عندما أحكى هذه المهارات لأهالى الأطفال فى العيادة أشعر باستياء بعضهم، وحدث أن صرح لى أحد الأهالى بعدم وجود مثل هذا الوقت والفراغ الذى يمكنه من فعل كل ذلك معه، هو يريد منى فقط حلا سريعا لمشكلة ابنه.

لكنى للأسف لا أملك حبة سحرية لحل مشكلات الآخرين، ولو امتلكت لأعطيتها للأهالى لأصحح عقولهم ليصبح باستطاعتهم خلق حياة أفضل لأبنائهم.

تستفزنى صديقة لى عندما تحكى عن أن طفلها الذى يبلغ من العمر 4 سنوات قد كبر ولا يحتاج إلى إرشاد مثل طفلها الأصغر الذى يبلغ عامين.. نحتاج لأن نظل مع أطفالنا نخطط لتعليمهم بإبداع، نقرأ كتبا عن التربية تساعدنا فى تنمية مهاراتهم.. لا نلعب دور الواصى الواعظ، بل الصديق الشريك، تؤكد نتائج الدراسات أن دور الراشد الواعظ الذى يملى الوصايا على أطفاله أو تلاميذه من أفشل الأدوار وأقلها تأثيرا مهما كانت المادة المراد توصيلها شيقة وهادفة، فلنلعب مع أطفالنا أدوارا أخرى وننمى مهارات عدة، نكتشف مساحات بداخلهم لن نستطيع الوصول إليها إلا إذا لعبنا دور الصديق لا الواعظ.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved