مرسى.. جاسوس بالصدفة
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 9 سبتمبر 2014 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
لا أعتقد أن الرئيس الأسبق محمد مرسى يمتلك الحد الأدنى من الذكاء، ولا القدر الكافى من القدرات العقلية والنفسية التى تؤهله ليصبح جاسوسا ناجحا، ومع ذلك فقد وجد الرجل نفسه محالا من النيابة لمحكمة الجنايات، فى أكبر قضية خيانة وجاسوسية فى تاريخ مصر، بحسب وصف بيان صادر من مكتب النائب العام شخصيا.
طبقا لتحقيقات النيابة، واعتراف عدد من المتهمين فى القضية، وافق مرسى على تنفيذ أوامر التنظيم الدولى للإخوان له بتسريب وثائق عسكرية خطيرة إلى المخابرات القطرية، تتعلق بأماكن تمركز قوات الجيش وطبيعة تسليحها، بالإضافة إلى وثائق وردت إليه بحكم منصبه من المخابرات العامة والحربية وجهاز الأمن الوطنى وهيئة الرقابة الإدارية، واحتفظ مرسى مع مدير مكتبه أحمد عبدالعاطى بهذه الوثائق فى مقره الرئاسى، إلى أن سلماها إلى سكرتيره الخاص أمين الصرفى، الذى استغل عدم تفتيشه من أمن الرئاسة بحكم منصبه، ونقلها إلى ابنته كريمة، والتى احتفظت بها فى منزلها حتى وصلت عبر متهمين آخرين فى القضية إلى الدوحة، حيث تسلمها، كما قالت تقارير صحفية الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطرى السابق والذى تربطه علاقات متينة بالقادة الاسرائيليين، وهو ما يثير المخاوف من انتقال هذه الوثائق الخطيرة إلى إسرائيل عبر البوابة القطرية!
قرار الإحالة أكد أن أجهزة الامن المصرى ضبطت أصول هذه الوثائق، بالإضافة إلى نسخ منها على كمبيوترات وموبايلات خمسة متهمين فى القضية، بينهم كريمة الصيرفى، وأنهم اعترفوا بارتكاب هذه الجريمة البشعة، ومع ذلك فإن قرار الاحالة لم يكشف بوضوح سبب طلب التنظيم الدولى من مرسى تسليم هذه الوثائق لقطر، كما لم يكشف لماذا طلب اثنان من المتهمين مليون دولار من ضابطى المخابرات القطرية اللذين التقياه بأحد فنادق الدوحة، نظير تسليمه هذه الوثائق التى حصل على نسخا منها أو من بعضها، وهو ما لم يكشفه القرار أيضا، وهى نقاط غامضة تفرض على النائب العام استيفائها، ليس فقط لمصلحة التحقيقات ولكن لدرء اى اتهامات قد توجه لمؤسسة القضاء بأنها تخوض صراعا سياسيا مع الإخوان.
إدانة محمد مرسى بالتجسس ليس أمرا فريدا من نوعه، فمثل هذه التهم وجهت للرئيس السادات الذى طاردته الشائعات بأن كمال أدهم رئيس المخابرات السعودية فى الخمسينيات حتى منتصف السبعينيات قد جنده كـ«عميل نائم» للمخابرات الأمريكية، وأن ارتماء السادات فى أحضان أمريكا بعد حرب أكتوبر، لم يأتِ من فراغ، وأنه نفذ دورا مهما فى الاستراتيجية الأمريكية لإنهاء النفوذ السوفييتى فى المنطقة، كما تقول كتابات أخرى متناثرة فى بعض الصحف أن كمال أدهم هو الذى رشح حسنى مبارك لأمريكا لكى يكون نائبا للسادات، ليخلفه فى الرئاسة، وهو ماحدث فعلا وأصبح «كنز إسرائيل الإستراتيجى».
وحتى العاهل الأردنى الراحل الملك حسين لم يسلم من شائعات التخابر، فقد اتهمه الصحفى الامريكى الشهير بوب وود ورد، الذى أسقط الرئيس نيكسون بعد كشفه فضيحة «ووترجيت»، بأنه يتجسس على الزعماء العرب لصالح المخابرات الأمريكية نظير مليون دولار سنويا!
مرسى ليس أكثر من جاسوس بالصدفة فى حالة إدانته، والأمر المهم فى قضيته يتعدى وصمه مع الإخوان بالخيانة، إلى ضرورة معرفة مصير هذه الوثائق الخطيرة التى سربها، وهل وصلت لإسرائيل.. أم لم تزل فى الدوحة؟ وكيف يمكن استعادتها فى هذه الحالة؟ وإذا كانت الآن بين يدى رجال الموساد فما هو مدى التغييرات العسكرية التى ينبغى أن نقوم بها؟ وما تكلفتها على الأمن القومى المصرى؟ ثم كيف ستكون العلاقة مع قطر؟.. وكيف ستكون العلاقة مع بقية دول الخليج التى اقتربت من تحقيق المصالحة مع الدوحة؟
مثل هذه الأسئلة لن يكون محلها ساحات المحاكم، لكنها تنتظر إجابات محددة من الرئيس السيسى شخصيا أو على الأقل من رئيس الوزراء ووزير الدفاع.