عن مجلس النواب والقرارات بقوانين والزمن القياسى
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 9 سبتمبر 2016 - 9:15 م
بتوقيت القاهرة
خلال دور انعقاده الأول الذى امتد بين بداية عام 2016 والأيام القليلة الماضية، وافق مجلس النواب دون تغيير أو تعديل على الأغلبية الساحقة من القرارات بقوانين التى أصدرها باختصاص تشريعى مؤقت رئيس الجمهورية المؤقت عدلى منصور (يوليو 2013 ــ يونيو 2014) ورئيس الجمهورية الحالى عبدالفتاح السيسى (يونيو 2014 إلى اليوم) والتى بلغ عددها 342 وقضى دستور 2014 فى مادته رقم 156 بضرورة مناقشتها لإقرارها أو إلغائها من قبل مجلس النواب صاحب الاختصاص التشريعى الدائم فور انتخابه وانعقاده. لم يناقش المجلس على نحو تفصيلى سوى طيف محدود للغاية من القرارات بقوانين مثل ذلك المتعلق بالخدمة المدنية (القانون رقم 18 لسنة 2015)، وهو لم يقر حتى انتهاء دور الانعقاد الأول. بموافقتها على مئات القرارات بقوانين دللت أغلبية مجلس النواب بجلاء على هويتها كأغلبية موالية للسلطة التنفيذية صنعت على أيادى «الأجهزة السيادية» عبر قانون الانتخابات البرلمانية وتدخلات كثيرة أخرى، وأثبتت محدودية اكتراثها بالعصف بضمانات حقوق المواطن وحرياته الذى يرتبه العديد من تلك «القوانين الرئاسية»، بل وأخلت فى الجوهر بالفحوى الموضوعية للمادة 156 من الدستور التى تلزم المجلس «بالمناقشة» وليس مجرد التمرير والموافقة وتخوله حق إسقاط القرارات بقوانين إن بالتصويت الرافض أو بالامتناع الواعى عن المناقشة.
***
وربما كان القرار بقانون رقم 8 لسنة 2015، المسمى بقانون «تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين» والذى أصدره رئيس الجمهورية الحالى فى 24 فبراير 2015، من أخطر ما مرره مجلس النواب لجهة عصفه الممنهج بحقوق وحريات المواطن وانتهاكه لمضامين العدل. يعرف القانون فى مادته الأولى الكيان الإرهابى على النحو التالى: «الجمعيات أو المنظمات أو الجماعات أو العصابات أو الخلايا أو غيرها من التجمعات أيا كان شكلها القانونى أو الواقعى، متى مارست أو كان الغرض منها الدعوة بأية وسيلة داخل أو خارج البلاد إلى إيذاء الأفراد وإلقاء الرعب بينهم، أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو حقوقهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالمواد الطبيعية أو بالآثار أو بالاتصالات أو المواصلات البرية أو الجوية أو البحرية أو بالأموال أو بالمبانى أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة السلطات العامة أو الجهات أو الهيئات القضائية أو مصالح الحكومة، أو الوحدات المحلية أو دور العبادة أو المستشفيات أو مؤسسات ومعاهد العلم، أو غيرها من المرافق العامة، أو البعثات الدبلوماسية والقنصلية، أو المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية فى مصر من القيام بعملها أو ممارستها لكل أو بعض أوجه نشاطها أو مقاومتها، أو تعطيل المواصلات العامة أو الخاصة أو منع أو عرقلة سيرها أو تعريضها للخطر بأية وسيلة كانت، أو كان الغرض منها الدعوة بأية وسيلة إلى الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمته للخطر أو تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو منع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها، أو الاعتداء على الحرية الشخصية للمواطن أو غيرها من الحريات والحقوق العامة التى كفلها الدستور والقانون، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى أو الأمن القومى».
***
تتضمن المادة الأولى، إذا، صياغات مطاطية تقبل التطويع لتعقب المعارضين السلميين وإنزال العقاب بأصحاب التوجهات المختلفة مع سياسات وممارسات الحكم، وتفرغ من المضمون حق المواطن فى التجمع السلمى وفى تكوين الجمعيات الأهلية والأحزاب السياسية وكذلك الحريات الصحفية وحرية التعبير عن الرأى. ففى ظل استحالة التعريف القانونى المنضبط لصياغات مثل «الإخلال بالنظام العام»، و«تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمته للخطر»، و«منع إحدى مؤسسات الدولة أو السلطات العامة من ممارسة أعمالها»، و«الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى أو الأمن القومى»؛ تصطنع المادة الأولى وضعا خطيرا يمكن من إطلاق الاتهام «بالإرهاب» باتجاه غير المرضى عنهم رسميا دون ضوابط موضوعية. ولأن المادة الأولى تعرف «الكيان الإرهابى» بالمرادفة الخالية من الضوابط الموضوعية بين«الجمعيات والمنظمات والجماعات والعصابات والخلايا وغيرها من التجمعات»، ولأنها تعين أيضا الأفراد الموصومين«بالإرهابيين» متبعة ذات النهج المطاطى، ولأنها تربط بين جرائم الإرهاب المفترض بها التورط فى ممارسة العنف واستخدام القوة المسلحة وبين«الدعوة بأية وسيلة» (أى أن الوسيلة المعنية يمكن أن تكون سلمية) إلى الإخلال بالنظام العام وغيره من الاتهامات مطاطية الصياغة؛ فإنها تعنى وضع الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية التى يصنفها الحكم «ككيانات معادية» ومعهم «الأفراد المعادون» من معارضين سلميين ومدافعين عن الحقوق والحريات تحت مغبة الإدراج على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين.
ثم تنظم المادة الثالثة اختصاص وإجراءات الإدراج على «قوائم الإرهاب» بالنص على اختصاص دائرة أو أكثر من دوائر الجنايات بمحكمة استئناف القاهرة بنظر طلبات الإدراج على القوائم المقدمة من النائب العام والفصل فيها خلال سبعة أيام من تاريخ التقديم المستوفى للمستندات اللازمة. الكارثى هنا، أولا، هو أن القانون لم يجعل الإدراج على القوائم عملا لاحقا على ثبوت تورط الكيانات المعنية والأفراد المقصودين فى جرائم إرهاب وفقا لإجراءات قضائية نزيهة وشفافة، بل يحوله إلى ما يشبه التعاون الإدارى بين جهتين قضائيتين هما النيابة العامة ودوائر الجنايات. الكارثى هنا، ثانيا، هو أن القانون لم يحدد طبيعة ونوعية المستندات اللازمة لتقديم طلبات الإدراج وترك الأمر «إداريا» لمكتب النائب العام ولدوائر الجنايات بمحكمة استئناف القاهرة. الكارثى هنا، ثالثا، هو أن القانون لا يمكن الكيانات المعنية والأفراد المقصودين من التداخل فى مسألة الإدراج قبل الانتهاء منها، وينزع عنهم من ثم الحق المنصوص عليه دستوريا وقانونيا فى دفع الاتهامات ومناقشة الأدلة (أدلة الثبوت) وتقديم ما قد يدحضها.
***
بينما يحيل القانون فى مادته السادسة حق «ذوى الشأن» فى الطعن على الإدراج على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين إلى ما بعد صدور قرارات الإدراج ويختص محكمة النقض (الدائرة الجنائية) بالنظر فى الطعون دون تحديد فترة زمنية للفصل فيها، يرتب فى مادته السابعة طيفا واسعا من الآثار التالية للإدراج على القوائم والتى يقضى بتنفيذها الفورى دون استشكالات قضائية أو انتظار للطعون المقدمة أمام محكمة النقض ولنتائج الفصل فيها. وتتراوح تلك الآثار بين حظر الكيانات المدرجة ووقف أنشطتها وغلق الأماكن المخصصة لها وحظر اجتماعاتها وتجميد الأموال المملوكة لها ولأعضائها، وبين وضع الأفراد المدرجين على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول وإلغاء جوازات السفر وتجميد الأموال وفقدان شرط حسن السمعة والسيرة اللازم لتولى الوظائف والمناصب العامة والنيابية.
***
يمثل القانون رقم 8 لسنة 2015، قانون «تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين» والمعروف إعلاميا تحت مسمى قانون الإرهاب، أداة طيعة للغاية فى يد الحكم لتعقب معارضيه السلميين حين يريد ولإنزال العقاب بمن يصنفهم ككيانات معادية وأعداء لتمسكهم بالدفاع عن الحق والعدل وبالتعبير الحر عن الرأى أو لوضعهم تحت مغبة التهديد الدائم بالتعقب والعقاب.
فى معرض تقديمه لكشف حساب نهاية دور الانعقاد الأول، فاخر رئيس مجلس النواب «بالزمن القياسى» الذى وافقت به الأغلبية على العدد غير المسبوق من القرارات بقوانين التى عرضت على المجلس، و«بالعناية الفائقة» التى أولاها النواب لتمرير القرارات بقوانين الصادرة عن رئاسة الجمهورية.