متى تنخفض الديون؟
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الأحد 9 سبتمبر 2018 - 10:00 م
بتوقيت القاهرة
أن يأتى التوجه الصحيح متأخرا، خير من ألا يأتى أبدا.
يوم الثلاثاء الماضى، قال محمد معيط وزير المالية فى تصريحات للصحفيين على هامش افتتاح مؤتمر «اليورومنى» أنه سيرسل إلى مجلس الوزراء خلال أسابيع خطة لإدارة الديون العامة، وأن وزارته تستهدف إعادة هيكلة الدين العام وخفضه خلال السنوات الأربع المقبلة، ليصل إلى ما بين ٧٠٪ و٨٠٪، وليصبح ٩٢٪ من الناتج المحلى، مع خفض معدل البطالة فى حدود ٧٫٦٪، وتحقيق معدل نمو للاقتصاد بنسبة ٦٪.
أتمنى أن يجد ما أعلنه وزير المالية طريقه إلى التطبيق على أرض الواقع، بحيث يتم تجميد الاستدانة، ووضع حد أقصى للاقتراض الخارجى.
نحن نتحدث منذ عامين وربما أكثر عن الحد من الاقتراض، خصوصا الخارجى، لكن للأسف، لم يتم ترجمة ذلك عمليا.
الأرقام الرسمية تقول إن الديون الداخلية بلغت 3.5 تريليون جنيه، فى حين بلغت الديون الخارجية حوالى 88.16 مليار دولار بنهاية مارس الماضى. والرقم الأخير لا يشمل قرض محطة الضبعة النووية «٢٥ مليار دولار من روسيا»، ولا الديون الخارجية على الهيئات الاقتصادية والبنوك المصرية، وعندما يتم تجميع كل ذلك فى مبلغ واحد، فالصورة قد تكون شديدة القتامة!!.
سألت أكثر من مسئول رفيع فى الشهور الماضية عما تنوى الحكومة فعله، لمواجهة أزمة الديون، خصوصا الخارجية، معظمهم قالوا إن الديون ما تزال فى الحدود الآمنة. كما أن نوعيتها ليست خطيرة، بمعنى، أن الجزء الأكبر منها ديون طويلة الأجل، ونسبتها إلى الناتج القومى والاستثمارات معقولة. ويقول المسئولون أيضا إنها قروض كانت حتمية لتمويل مشروعات تنموية.
أتمنى أن تكون تأكيدات هؤلاء المسئولين صحيحة، رغم أن بعض الخبراء الموضوعيين لديهم تخوفات حقيقية. أحد هؤلاء، هو مستثمر بارز ومثقف اقتصادى من طراز رفيع، قال لى قبل شهور أن أخطر ما يواجه مصر، ليس فقط الإرهاب أو التآمر الخارجى، لكن الديون الخارجية.
هذا المستثمر مؤيد كبير لعملية الإصلاح الاقتصادى ويرى أنها تأخرت كثيرا، ويجاهر صراحة بتأييده للرئيس عبدالفتاح السيسى، منذ 30 يونيه 2013، وحتى هذه اللحظة. ورغم ذلك فهو يخشى أن تكون المؤامرة الحقيقية جدا على مصر، هى إغراقها فى مستنقع الديون الأجنبية، على غرار ما حدث فى أواخر أيام الخديو إسماعيل، حينما قررت الدول الأوروبية الدائنة لمصر تشكيل لجان داخل الوزارات المصرية، تتولى تحصيل إيرادات الحكومة المصرية، لكى يتم اقتطاع الجزء الأكبر منها لسداد الديون التى اقترضها الخديو إسماعيل.
نعود إلى الحاضر، وإلى تصريحات الوزير النشيط والمتحمس محمد معيط. ونتمنى أن تجد وزارته آلية حقيقية لتنفيذ خطة هيكلة وخفض الديون الخارجية.
أدرك تماما أن الحكومة تسابق الزمن فى إنجاز بعض المشروعات الكبرى، وأنها وضعت الجزء الأكبر من القروض فى مشروعات حقيقية مثل إنفاق قناة السويس ومحطات الكهرباء وإنشاء الطرق والكبارى، وبعضها لسداد أجور ورواتب الموظفين أو سداد أقساط ديون قديمة، واستيراد السلع الاساسية.
لكن أدرك أكثر أن هناك مشروعات أخرى كان يفترض أن تنتظر إلى حين ميسرة.
كتبت فى هذا المكان أن العاصمة الإدارية الجديدة وكذلك بعض المشروعات المشابهة، كان يفترض أن تتأجل، حتى تكون هناك «بحبوحة من العيش».
سيقول البعض، إن العاصمة الإدارية لم تحصل على أموال القروض، وتم تمويلها بالأساس من عائدات بيع أراضى المنطقة نفسها.
حسنا، لكن الأولويات كان لابد أن تكون واضحة، وأن نترك القطاع الخاص يبنى ويطور بأمواله الخاصة، على أن تستثمر الحكومة ما تملكه من أموال فى مشروعات إنتاجية توفر المزيد من فرص العامة الدائمة، وليست فقط المرتبطة بمجال المقاولات.
فى كل الأحوال لا أؤمن بمناقشة الأمور بمنطق «لو»، لأن ذلك لن يجدى نفعا. لكن على الأقل ينبغى أن تعلن الحكومة فى خطتها، أنها ستتوقف تماما عن الاقتراض الخارجى، إلا فى حالة «الشديد القوى»، وتعلن ذلك بصورة واضحة للمواطنين.
أقول ذلك، على خلفية الأزمات الصعبة التى يمر بها الاقتصاد العالمى، والدوامات التى يتم إغراق اقتصادات كبرى داخلها مثل البرازيل والأرجنتين وتركيا وربما جنوب إفريقيا.
علينا أن نتحسب ممن يقولون إنهم «أصدقاء»، وقد نكتشف قريبا، أنهم أخطر مليون مرة من الأعداء الظاهرين!!!.