أى لبنان نريد؟ طبعا.. ليس هذا اللبنان
مواقع عربية
آخر تحديث:
الأربعاء 9 سبتمبر 2020 - 8:30 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع «على الطريق» مقالا للكاتب نصرى الصايغ يبكى فيه لبنان وأحوالها التى تزداد تدهورا ملقيا المسئولية على المسئولين الفاسدين.. جاء فيه ما يلى.
لنعترف، أن لبنان دولة فاشلة. وطن ممتنع. نظام خراب. اقتصاد نهب. سياسات انتقامية. سياسيون مسوخ.
لنعترف، أن من قتل لبنان هم قياداته الوارثة والمتوارثة. كان بلدا موعودا، صار ركاما موءودا. الذين تناوبوا فيه على السلطة والحكم، كانوا قتلة أحلام ومشاريع وأفكار، وقتلة بشر من غير ملتهم وطائفتهم. لبنان الثقافة والإشعاع، ناص ضوءه وقُتلت شعلته. لبنان الحرية الفريدة، فى منطقة الظلم والعسكر، تحوَل إلى عبثية. الحرية فى لبنان لم تُنجب ديمقراطية أبدا. الحرية، هى حرية الطوائفيات الاستتباعية وعنفها وقمعها وتبعيتها. لبنان الاستقلال كان وهما. ولا مرة استقلت طوائفه الحاكمة والمستحكمة عن «أوطان» لها خارج الحدود. استقلال لبنان كذبة. العيد مناسبة سمجة. كانت «شعوبه» الطائفية تابعة ولا تزال ولا مفر منها. كل الدول المتقدمة كانت متخلفة ثم تقدمت بشروط بناء الوطن والمواطن، بناء الانتصار والكفاية، بناء الإنسان كإنسان وليس كتابع لا مفر له من قائد طائفى يسوقه بعصاه ويقوده برسنه.
لا. لا نريد هذا اللبنان القاتل والمقتول. الحرية وحدها عبث. الحرية بلا عدالة اجتماعية ظلم. الحرية بلا مساواة أفدح. الحرية كسلعة، لا تنافس المواطنة أبدا. قيل أن لبنان الحرية إذا قورن بجيرانه بدا متقدما عليها. فشروا. لا يقارن السيئ بالأسوأ. فإذا كانت دول الجوار العربى استبدادية، فإن لبنان تفوق عليها بالحرية المجانية، غير المنتجة. كانت الحرية ممسوكة بقرونها من قِبَل رعاة البقر الطائفيين الذين دمروا البلد والإنسان مرارا.
ماذا يريد اللبنانيون بعدما بلغوا أسفل القاع، الذى لا قاع تحته. لبنان هذا انفجر. لاحظوا جيدا، أن أحدا لم يجرؤ أن يمر فى المنطقة المنكوبة. لاحظوا أنهم لم ينطقوا بكلمة. لاحظوا أنهم ما زالوا كما كانوا، لصوصا فى مغارة. قراصنة فى مركب مخلع. قادتنا خانونا، وفازوا بأن ظلوا محميين من أتباع أشاوس، وأقوياء بعزم طوائفى يُنذر دائما بالدم والنبذ.
لبنان هذا ليس صالحا. لم يعد قابلا للحياة. حتى مع مساعدة فرنسا «الحنون»، لبنان معطوب. لا سياسة تسوسه، بل أحقاد تقوده، وسرقات تسوقه ومجالس تكذب عليه وتركب على أكتافه دهرا بعد دهر. لبنان هذا كان يجب أن ينتهى من زمان. لكن للطائفية قدرة على أن ترعى «جمهورية الموتى». تأملوا الكارثة فى المرفأ. تأملوا كيف يتصرفون؟ كيف يختبئون وأى قول يقولون.
العالم كله اهتز عاطفيا، إلاَ هُم، «الأنبياء السياسيون» الكذبة. عادوا إلى حليمة فى عادتها القديمة، فى تركيب سلطة تشبه سنوات القرصنة وعقود النهب. يصح أن يقال، أن تاريخ لبنان فى نصف القرن الأخير، كان تاريخ منهبة وسرقة واقتناص واستغلال وضياع الحقوق، والاستئثار بكل شىء. طبعا، ومن دون مبالغة، بكل شىء. مع دعامة وتأييد من شارع مقسَم وطنيا وطائفيا ومذهبيا وعشائريا وولائيا.
ويطالبون بالحياد. أى حياد «لشعوب» تجد طمأنينتها المجرمة فى أكناف دول وجماعات وعصابات!
لبنان هذا، لا نريده. ليته مات من زمان. لبنان الذى نريده، هو بالتأكيد ضد لبنان المئة عام. وما نريده، صعب التحقيق، ولكن لا مفر منه. والتجرؤ والاستبسال من أجل نجاحه. نريد بلدا طبيعيا، ركيزته الأولى: المواطن. المواطن وليس «المواطف». وحده المواطن، يتحرر من التبعية الداخلية المذلة، ويحقق الاستقلال عن الجميع. المواطن يبنى وطنا لا مزرعة، أو منهبة أو عهرنة. والطريق الذى يرسمه المواطن بعقله وسلوكه، هو الطريق إلى الدولة المدنية، الديموقراطية، التى تؤمن سلامة المواطن وتحترم حقوقه وتحاسبه بقضاء أنقى من امرأة قيصر. قضاؤنا اللبنانى السابق والراهن، قضى على لبنان. ولا قيمة لقول يقول: «هناك قضاة غير فاسدين». تشرفنا. ماذا يفيدنا هذا الاستثناء؟ نريد دولة منتجة لا دولة متسوِلة. دولة تؤمن بالعمل فى حقول الزراعة والصناعة والسياحة والتقنيات الحديثة. نريد دولة تصدَر أكثر مما تستورد. نريد دولة ليرتها متينة، لا تكون رهينة المصارف ومن لا يشبع من سياسيين ومتمولين. نريد دولة العدالة الاجتماعية، ودولة الفكر الحر، والثقافة الرائدة والفنون الخالدة… نريد لبنان بطاقات شعبه، متعدد المواهب والقوى والمعارف.. نريد دولة لا يشعر فيها المواطن، أنه يعامل كرقيق وكسلعة. المواطن فى الدولة الديموقراطية هو المرجع الأول. عندنا مرجعيات قنَاصة فرص وتكالب على المال العام. نريد لبنان فاعلا فى محيطه، يتبنى القضايا العادلة ويكون شاهدا عليها.
لبنان القديم خذوه.
من سيصنع لبنان الجديد؟
أين هم ثوار 17 تشرين؟
النص الأصلى: هنا