الحرب المسروقة!!
محمد عصمت
آخر تحديث:
الجمعة 9 أكتوبر 2009 - 11:32 ص
بتوقيت القاهرة
بعد 36 عاما من ملحمة أكتوبر 73.. يبدو لى أن بعض السياسيين ورجال المال والاقتصاد فى مصر، «سرقوا» تحت جنح الظلام فى البداية ثم فى عز الظهر بعد ذلك ــ ومع سبق الإصرار والترصد فى الحالتين ــ نتائج المعجزة العسكرية التى قام بها الجيش المصرى بانتصاراته التى غيرت الكثير من النظريات والخطط والاستراتيجيات الحربية فى جيوش العالم بلا استثناء..!!
فلم تمر سنوات قليلة على هذه الحرب، حتى تحولت دماء الشهداء إلى ودائع فى البنوك، ثم بعد ذلك إلى أسهم وسندات فى البورصة، وفى أحيان كثيرة أصبحت حسابات سرية فى بنوك سويسرا وأمريكا.. فى حين انهارت بمرور الوقت كل الخدمات التى كانت تقدمها الدولة لملايين المصريين الفقراء الذين خاض أبناؤهم هذه الحرب.. رغم أنهم الأحق بالتمتع بثمرات انتصار أكتوبر!
وبالقطع كانت هناك بيئة مواتية لارتكاب هذه السرقات.. كان السبب الرئيسى فيها هو هذا التحول العشوائى الذى نقل من خلاله السادات الاقتصاد المصرى من التخطيط المركزى إلى مفاهيم السوق، وتطبيقه سياسة الانفتاح الاقتصادى الذى وصفه الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين بأنه انفتاح سداح مداح.. مع تزامن كل هذا مع إصرار السادات على ممارسة ديكتاتورية مقنعة وإطلاق قبضة الأمن لتسيطر على الحياة السياسية، وضرب أى حركة معارضة ترفض أفكاره بشكل عام خصوصا حول قوله إن حرب أكتوبر هى آخر الحروب، وأن 99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا.. ثم زيارته للقدس التى خانه فيها ذكاؤه، حيث تنازل فيها عن كل قوته السياسية ورصيده التفاوضى بلا مقابل لإسرائيل التى أعطته سيناء منزوعة السلاح، ثم تلاعبت به وبالفلسطينيين والسوريين حتى الآن، رغم أن إسرائيل كانت ستتسول منه الاعتراف بها لو تحلى هو ببعض الصبر. أو لو كان يملك رؤية استرتيجية واضحة للصراع العربى ــ الصهيونى!!
وكان القصور السياسى للسادات واضحا أيضا فى عشقه لكل ما هو أمريكى، وانبهاره بوصف الإعلام الأمريكى له بأنه «نبى» هذا الزمان، وفرعون مصر الأخير.. إلى آخر هذا الهراء!.. فلم يعد ــ رحمة الله عليه ــ يرى أمامه خلال خطواته لتصفية اشتراكية عبدالناصر، التى شارك فى صنعها رغم أنه لم يكن يحبها، سوى النموذج الأمريكى للرأسمالية وتجاهل مثلا النموذج اليابانى الأكثر ملاءمة لنا الذى يعتمد على استثمار الأرباح فى البحوث التكنولوجية بدلا من رفع سعر الأسهم والمضاربة المصرفية وتضخيم ثروات الرأسمالى الصغير ليصبح قطا سمينا، ومراعاة التوازن فى الأجور فى مستوياتها العليا والدنيا، وربط المؤسسات والشركات الخاصة بحب الوطن والولاء لليابان لا بفكرة الاستهلاك الترفى والقيم التى تعلى من الفردية على حساب مصلحة المجتمع والجماعة.
والمثير أن السادات صاحب قرار الحرب فى 73 الذى سينسب له التاريخ أنه بطل هذا الانتصار العسكرى، سوف يتهمه التاريخ أيضا بأنه وراء هزائمنا وأوجاعنا السياسية التى تلحق بنا منذ السبعينيات وحتى الآن.. وأنه سيظل السادات العظيم فى نظر البعض، والسادات الظالم فى نظر آخرين!