دور النفط.. من جنوب السودان إلى تيمور الشرقية

محمد السماك
محمد السماك

آخر تحديث: الأحد 9 أكتوبر 2011 - 9:50 ص بتوقيت القاهرة

من شرق إندونيسيا حيث انفصلت تيمور الشرقية وأصبحت دولة مستقلة، إلى جنوب السودان الذى احتفل بولادة الدولة الرابعة والخمسين فى الأسرة الأفريقية، يختلف المسرح ولكن السيناريو واحد. حدث انفصال تيمور الشرقية على خلفيات أربع. الخلفية الأولى هى أن الدين السائد فيها هو الكاثوليكية، فيما تعتبر إندونيسيا الدولة الإسلامية الأولى من حيث عدد السكان. وفى جنوب السودان كذلك فإن أكثرية سكان الجنوب غير مسلمين، فهم إما من المسيحيين الذين ينتمون إلى كنائس مختلفة إنجيلية وكاثوليكية، أو أنهم من أتباع العقائد الأفريقية الوثنية.

 

والخلفية الثانية هى أن آبار النفط التى اكتشفت وبدأ استثمارها تقع فى المياه الإقليمية التابعة لتيمور الشرقية وليس فى المياه الإندونيسية.

 

وفى السودان كذلك فإن سبعين بالمائة من الثروة النفطية تقع فى جنوب السودان وليس فى شماله.

 

والخلفية الثالثة هى أن قوى خارجية شجعت على الانفصال فى تيمور الشرقية كما فى جنوب السودان. وانطلق تشجيعها ودعمها لحركتى الانفصال فى المنطقتين على قاعدة متشابهة أيضا وهى توظيف التباينات الدينية والإثنية لتسهيل عملية استثمار الثروة النفطية، وإخراج هذه الثروة من القبضة الإسلامية!

 

أما الخلفية الرابعة فهى أن جنوب السودان وشرق تيمور يتنافسان على من هو الأفقر. فخارج العاصمة دالى لا توجد طرق ولا مؤسسات، والناس هناك يعيشون فى حالة يرثى لها من الفقر المدقع فى أكواخ خشبية بدائية. إلا أن الثروة النفطية بدأت تتجمع بالمليارات. حتى إن الحكومة المحلية قررت شراء بعض ديون البرتغال التى استعمرتها سابقا والتى تبلغ عدة مليارات من الدولارات.

 

●●●

 

وتحتكر أستراليا القريبة من تيمور الشرقية استثمار ثروتها النفطية بموجب عقد ينص على المناصفة. وقد حاولت أستراليا أن تقدم الثلث فقط الا أن تيمور حذرت من أنها سوف تلجأ إلى الصين التى تحتاج إلى هذا النفط. وبالفعل فإن بكين عرضت أكثر من خمسين بالمائة من العائدات مقابل احتكار الإنتاج، ولكن الدول التى عملت على انفصال واستقلال تيمور، وفى مقدمتها الولايات المتحدة تدخلت على الفور لقطع الطريق أمام الصين، وأقنعت أستراليا برفع حصة تيمور إلى النصف.

 

ورغم اختلاف الأمر فى جنوب السودان، فإن التدخل الخارجى يلعب الدور ذاته. هنا تقع ثلث الثروة النفطية فى شمال السودان. ثم إن الشمال يمسك بورقتين أساسيتين إضافيتين هما: مرافئ التصدير الواقعة على البحر الأحمر، وخطوط الأنابيب التى تنقل النفط الجنوبى إلى هذه المرافئ. فالشراكة هنا حتمية. ولكن على أساس أى نسبة؟

 

يبلغ حجم الإنتاج اليومى نصف مليون برميل وهو رقم متواضع بالنسبة لإنتاج الدول الأعضاء فى منظمة أوبك، إلا أنه يشكل ثروة لدولة فقيرة مثل السودان، بشماله وجنوبه. ولذلك يطالب الشمال بنصف العائدات، وهو ما يرفضه الجنوب بحجة أنه يملك 70 بالمائة من هذه الثروة، فكيف يتخلى عن نصف الدخل لمن يملك ثلاثين بالمائة فقط من الثروة؟

 

ومما يجعل من هذه القضية محور التفاهم أو التصارع هو أن 97.8 من عائدات السودان (شماله وجنوبه) مصدرها النفط، أى هذا النصف مليون برميل يوميا. ولكن استنادا إلى إحصاءات دولية فإن 51 بالمائة من الجنوبيين الذين يبلغ عددهم ثمانية ملايين إنسان يعيشون تحت خط الفقر (نحو دولار واحد يوميا لكل فرد). وأن ثلاثة أرباع السكان أميون ويفتقدون إلى الحد الأدنى من الرعاية الصحية. ويموت عشرة بالمائة من الأطفال قبل أن يصلوا إلى سن الخامسة من العمر، وهى واحدة من أعلى نسب وفيات الأطفال فى العالم. ولا يختلف الأمر كثيرا فى الشمال حيث يعيش 46 بالمائة من السودانيين تحت خط الفقر

 

●●●

 

لقد أدت الحرب الأهلية التى انتهت (هل انتهت فعلا؟) فى عام 2005 إلى مقتل نحو مليونى شخص. وهى واحدة من أطول الحروب الأهلية التى عرفتها أفريقيا. وكانت نشبت على خلفية دينية ــ إثنية، عملت قوى أجنبية على التحريض عليها وعلى تمويلها أيضا طوال سنواتها الدموية. ويخشى أن يشكل الانفصال سابقة لإعادة النظر فى العديد من الكيانات السياسية الإفريقية التى رسمت حدودها الدول المستعمرة من دون أى مراعاة للتوزيع القبلى والعشائرى.

 

ويتوقف هذا الأمر سلبا أو إيجابا على نجاح أو فشل تجربة «الانقسام الودى» أو الانقسام بالتفاهم الذى تم التوصل اليه، والذى يكرسه الاتفاق او الاختلاف على اقتسام الثروة النفطية.

 

فى تيمور الشرقية لا توجد مشكلة من هذا النوع. فتيمور الغربية التابعة لإندونيسيا لا تصل حدود مياهها الإقليمية إلى آبار النفط. ثم إنها جزء من دولة كبيرة واحدة وقوية. بينما السودان هو جزء من عالم عربى منقسم على نفسه وتنهال عليه ضربات التفتيت والتهشيم والتهميش من كل حدب وصوب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved