فجوة السياسة الخارجية


روجر كوين

آخر تحديث: الثلاثاء 9 أكتوبر 2012 - 8:15 ص بتوقيت القاهرة

تعتبر الصين قوة حسب الوضع الراهن. وهى تدعو إلى الحوار، وعدم التدخل وحرمة السيادة الوطنية، لأنها لا تريد اضطرابات عالمية كبرى تعرقل سعيها لتحقيق النمو الاقتصادى اللازم للاستقرار السياسى وتحقيق التنمية الكاملة بحلول منتصف القرن.

 

كانت روسيا أيضا قوة فى الوضع الراهن منذ ثلاثين عاما. وهى تريد فى ظل فلاديمير بوتين أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ويعود العالم ليصبح مكانا تهيمن عليه قوتان عظميان، تتصارعان. وقد تهيأت لمشاهدة آلاف السوريين يموتون من أجل إظهار أنها لا تزال تمتلك نفوذا كبيرا.

 

أما أوروبا، فهى قوة تبحث عن مكانة، قوضتها أزمة اليورو، وضعف الديمقراطية فى مؤسساتها، وانحسار المثالية التى قادت من قبل السعى إلى وحدة أوروبية، ويمثلها «رئيس» لم يسمع عنه أحد. ولم يعد فى أوروبا سوى شخصية سياسية جادة واحدة، اسمها أنجيلا ميركل.

 

●●●

 

وماذا عن الولايات المتحدة؟ الانتخابات التى كان يفترض أن تركز على السياسة الداخلية، ليست واضحة فى هذا السياق (ربما تساعد المناظرات على ذلك) وأظهرت انقساما حول السياسة الخارجية.

 

وتعتبر أمريكا فى نظر الرئيس أوباما، فى وضع إدارة الأعمال: من الأفضل أن تكون واقعية بشأن حجم نفوذها حتى تستطيع أن تمارسه وتحافظ عليه. أما بالنسبة لميت رومنى، فهو ينتمى إلى مدرسة بوتين فى السياسة الخارجية. والوضع الراهن الذى يؤمن به هو الوضع قبل ثلاثة عقود. وهو فى هذا الشأن روسى منغلق حتى وهو يدين موسكو.

 

وهكذا، فموسكو بالنسبة لرومنى «خصمنا الأول من ناحية الجغرافيا السياسية»، كما كانت فى الحرب الباردة. وتقوده قناعة ورغبة عارمة واحدة: «ينبغى أن يكون هذا القرن أمريكيا» مثلما كان القرن الذى شهد الحرب الباردة.

 

وباسم الهيمنة الأمريكية، على الولايات المتحدة أن تلقى بثقلها، وتحافظ على موازنة البنتاجون أو تزيدها، وترفض التحدث إلى طالبان، وتواجه الصين، وتعطى إسرائيل ضوءا أخضر لمهاجمة إيران، وألا تتحرج من القوة الأمريكية بشكل عام.

 

ويبدو أن رومنى، لا يدرك التكلفة المدمرة لحروب ما بعد 9/11 ، أو لم يسمع عما يقال عن عالم ليس فيه منازع للقوة الأمريكية، غير أنها ليست كافية لفرض إرادة الولايات المتحدة.

 

وتمثل رؤية رومنى مثله مثل بوتين حنينا خالصا للماضى. فهى تتخيل عالما ولى. وبطبيعة الحال فإن الحديث الصارخ عن عظمة أمريكا، يمكن أن يكون إلهاء عن الصعوبات الاقتصادية، ولكن الأمريكيين تعلموا الحذر من المغامرة.

 

●●●

 

ويتهم الجمهوريون أوباما بأنه «يدير التراجع». غير أن هناك طريقة أفضل للنظر إلى سياسته الخارجية، وهى محاولة الحفاظ على النفوذ الأمريكى فى عالم لا يشهد نموا سريعا فى الغرب، وحيث الدين القومى قنبلة موقوتة، والتفوق الأمريكى على القوى الأخرى يتلاشى.

 

وقد انتشل الولايات المتحدة من حرب مكلفة (العراق)، وحدد موعدا لمغادرة أفغانستان، واعتمد وسيلة منخفضة التكلفة لقتل الإرهابيين (هجمات الطائرات بدون طيار)، وخلص أمريكا من شبح أسامة بن لادن، وحال دون مهاجمة إسرائيل لإيران، ومن ثم بدء ثالث حرب غربية كارثية، فى بلد مسلم، خلال عشر سنوات، وبحث سبل العمل مع روسيا والصين، كما وضع الحلفاء الأوروبيين فى الأدوار القيادية فى ليبيا، وبشكل عام لم يهتم بالقوة الصلبة، ولكن بالقوة الأمريكية الناعمة، الأكثر وضوحا فى موقع تويتر، وفيسبوك، وجوجل، وأبل.

 

وقد ارتكب أوباما أخطاء كبيرة فى أفغانستان، ورفض أن يدلى بتفسير لهجمات الطائرات بدون طيار، عندما كان مطلوبا منه ذلك، كما لم يكن أداؤه على المستوى المطلوب فى إيران أثناء انتفاضة 2009. وكانت استجابته لقتل أربعة دبلوماسيين أمريكيين فى ليبيامن بينهم السفير فى الشهر الماضى، باهتة أكثر من اللازم.

 

ولكنه بشكل عام، عدل السياسة الخارجية الأمريكية بحيث تتلاءم مع عالم متغير. ولم تشهد منطقة فى العالم تغيرا دراميا أكثر مما شهد الشرق الأوسط، حيث ثبت إفلاس السياسة الأمريكية التقليدية مساندة الطغاة باسم الحفاظ على الاستقرار، وصد الجهاديين، والحفاظ على تدفق البترول كشكل من أشكال النفاق الأمريكى الذى لم يفعل سوى أنه أثار السخط السلفى.

 

●●●

 

ويحسب لأوباما أنه ساند التحولات فى مصر وتونس وليبيا، وغيرها. وهى تحولات تصب فى المصالح الاستراتيجية الأمريكية، فى النهاية، حيث تدعم المجتمعات التى لا تغذى الإحباطات التى تحيل الشباب إلى قتلة معادين للغرب. ويتعين أن يكون من مصلحة أمريكا وجود أحزاب إسلامية مثل الإخوان المسلمين، لتتعامل مع التطرف الإسلامى: سوف تتأكد واقعية الدروس المستفادة من القوة.

 

ولعل الشعار البارز فى الربيع العربى هو: «إنها مصر، يا غبى». فإذا كان من الممكن أن تتحول أكثر الدول العربية سكانا حتى الآن، إلى صديق ديمقراطى للغرب، ربما يشكل ذلك انفراجة استراتيجية.

 

ومن ثم، فأوباما محق فى أن يضغط من أجل ضخ 450 مليون دولار لمصر فورا. وتكشف مقاومة الجمهوريين لذلك الطلب ــ قالت كاى جرانجر النائبة الجمهورى البارزة إنها لن تؤيد الطلب، فى حين يبدو أن رومنى يرى كل العرب خطرين ومتخلفين ــ تمسكهم الغريب بمدرسة بوتين: الوضع الراهن حوالى 1982 بأى ثمن.

 

 

كل الحقوق محفوظة لشركة النيويورك تايمز لمبيعات الخدمات الصحفية. يحظر نشر هذه المادة أو إذاعتها أو توزيعها بأى صورة من الصور.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved