قضينا ليلة سعيدة بعدما نجح فريقنا القومى فى تحقيق حلم التأهيل لكأس العالم بهدفى محمد صلاح وبجهد كل الفريق بقيادة المخضرم عصام الحضرى. ولعل ما زاد من هذه السعادة الغامرة أنها جاءت بعد «حرقة أعصاب».. الدقائق الأخيرة التى بدا فيها أن الحلم قد تبدد وأن كابوسا على وشك أن يحل علينا. ولكن المهم أن النهاية كانت سعيدة بطريقة البطل الذى يظهر فى اللحظة الأخيرة من الفيلم وينقذ الموقف المتأزم كى يخرج الجمهور من قاعة السينما سعيدا وراضيا.
وطوال الساعات التالية كان الشعور العام أن مصر أعادت اكتشاف سمات ومشاعر كثيرة افتقدناها فى الآونة الأخيرة. وهكذا احتفل الناس فى بيوتهم وفى الشوارع والميادين وعلى المقاهى وفى قرارة أنفسهم بشكل صاخب أحيانا وخافت وبسيط فى معظم الأحوال، كل بطريقته وكل بما ينسجم مع طبيعته. والاحتفالات التى أعقبت الفوز كانت للجميع بلا تفرقة ولا تمييز وبلا كراهية ولا أحقاد. وخلال الساعات التالية الجميلة لم يفكر المبتهجون فيمن يكون مسلما ومن يكون مسيحيا، ولم يخطر على بال أحد أن يستنكر مشاركة الفتيات فى التشجيع والابتهاج أو يعتبر ذلك خروجا على الأصول والآداب العامة، ولم يسخر أحد من ذى اللهجة الصعيدية أو الإسكندرانية أو الأسوانية، ولم يفكر المحتفلون فى الشوارع ما إذا كان من يقف بجوارهم من نظام مبارك أم من شباب الثورة أو من ذوى الميول الإسلامية أو المدنية أو غيرها. حتى الدولة التى لا تقبل أو تسمح بتجمعات الشباب من أى نوع، خاصة فى ميدان التحرير، رفعت يدها عنهم مساء الأحد وتركتهم يعبرون عن سعادتهم ويتنفسون نسيم الحرية ولو لساعات قليلة.
هذه السعادة الكروية ليست ظاهرة مصرية فريدة، بل تعرفها معظم بلدان العالم، إلا من كان منها واقعا تحت سحر رياضة جماعية أخرى. ولهذه السعادة أسباب معروفة: أن كرة القدم لعبة ديمقراطية يلعبها الجميع سواء فى نادٍ خاص أو فى الشارع وسواء بأحذية وملابس غالية أم بالأقدام الحافية، وأنها رياضة تسمح لكل شخص بالمشاركة بطريقة ما سواء باللعب أم بالمشاهدة أم بإبداء الرأى، وأنها مجال يمتاز بالشفافية الكاملة؛ لأن اللاعبين ليست فى حياتهم أسرار بل كل واحد معروف الموطن والمنشأ والسكن والدخل ومتى تزوج ومن أنجب وبأى ثمن تم بيعه من نادٍ إلى آخر، ولأنها ساحة للتنافس لا تنفع فيها الواسطة ولا المحسوبية ولا معرفة المسئولين ذوى النفوذ لأن الجمهور لا يرحم من لا يلعب بحماس ومهارة. لكل هذا فإن السعادة التى يجلبها الفوز فى مباريات كروية كبرى تجد مصدرها ليس فقط فى الشعور بالتفوق والنخوة الوطنية بل فى قناعة كل فرد من الجمهور بأنه كان مشاركا بطريقة ما وأنه جزء من النصر الذى تحقق وصاحب الدعوة فى الاحتفالات التى تجرى فى الشوارع وليس مجرد متفرج.
لا أود إفساد هذه المناسبة السعيدة بتحويلها إلى قضية سياسية حتى لا نفقد بهجة اللحظة، ولكن دعونا نتذكر أن هذه السعادة الكروية، كما أنها حقيقية وصادقة وجامعة، فإنها أيضا لا تدوم طويلا وسرعان ما تحل محلها مصاعب وتحديات الحياة اليومية وهموم المستقبل، ولذلك فالأهم من الاستمتاع بها للحظات او ساعات قليلة هو التفكير فيما يعيد للمجتمع تلاحمه وتماسكه ويعيد للشباب حماسه ورغبته فى المشاركة، ويساعدنا على تجاوز حالة التوجس والانقسام التى نجح فريقنا القومى ونجح محمد صلاح فى مساعدتنا على تجاوزها ولو لفترة وجيزة.