بعض القسوة علامة حب
جميل مطر
آخر تحديث:
الثلاثاء 9 أكتوبر 2018 - 10:40 م
بتوقيت القاهرة
طفلتان فى الرابعة من العمر رأيتهما تتشاجران. تشاجرتا بعنف ظننت أنه لا يتناسب وسنهما ولا مع براءة افترضناها طويلا سمة لصيقة بالطفولة. لم تمر ساعة زمن إلا وكانتا تتقاسمان فى سعادة وكرم بالغ حلوى تخص واحدة منهما واللعب بدمى تخص الأخرى، وقع هذا وذاك وسط مظاهر حب أكثرها متكلف وإن ليس زائفا بأى حال. بعد الشرح والتذكير بتجربتى كمربٍ فى مرحلة مبكرة جدا من حياتى عدت أدرك أن الأطفال كالكبار قد يمارسون أحيانا القسوة عند التمهيد لإعلان الحب أو تأكيده.
***
لا أصدق أن النساء خلقن وفى طبعهن كيد عظيم وميل شديد للنكد والتنكيد. ولكنى كثيرا ما أقف متفهما إلى جانب أكثر من صديق يتعرضون لأعمال قسوة متعمدة تبرر الزوجات ممارستها ضد أزواجهن بالخوف عليهم. زوجة واحد من هؤلاء الأصدقاء استعانت بى الأسبوع الماضى لإثبات حقها فى ممارسة بعض القسوة على زوجها. قالت لى أمامه إنها لا تفعل أكثر من أنها تشاركنى الشك فى أنه لا ينتبه بالقدر المناسب لمخاطر الطريق، الشك الذى يدفعها وحبها له وخوفها عليه للاتصال به بين الفينة والأخرى. تدخل الزوج مقاطعا ليبلغنى أنه بين الفينة والأخرى التى تتحدث عنهما زوجته ما لا يتجاوز عشر دقائق. أضاف بقوله «رجاء يا صديقى لا تشترك معها فى تسمية الدافع لهذا الإجراء خوفا، التعريف الوحيد له هو كلمة تعذيب».
أخرى اشتكت لى من نفسها. اشتكت فى غير حضور زوجها. قالت «ساعدنى. جد لى حكيما يعالجنى. أنا أعذب زوجى ولا عذر لى أو مبرر. أشعر كأنى أنتقم. من ماذا ؟ لا أعرف. هو لم يفعل ما يؤذينى. هو دائما هادئ الطبع، قل باردا إلى حد الاستفزاز. أحبه ولا أخجل من ترديدها فى وجوده. أحبه ولكنى أحب أن أعذبه. لا تطلب تفاصيل فهذه لن أبوح بها إلا لحكيم تأتينى به».
***
زوجة صديق آخر علمت بأمر هذا المقال حين كنت أجمع مادته. اتصلت لتتهم صديقى الذى هو زوجها بادعاء الخوف عليها من عدوان يشنه الرجال عليها إذا هى خرجت إلى الطريق دون أن تتوقف عند نقطة تفتيش أقامها فى ردهة باب البيت. يريد أن يتأكد أن لا شىء من جسمها تكشف عنه ملابسها، وأن لا لون يزوق وجهها يمكن أن يلفت نظر رجل غريب. هذا الموقف المهين الذى تتعرض له منذ أن تزوجته ثمنته غاليا فى بداية حياتهما. كان دليل حب ودافعا لمزيد منه، ثم صار مصدر إزعاج وتعطيل قبل أن ينتهى اتهاما بالكره بل حتى بالخيانة. أرجوك، انقل له أن لا امرأة مستعدة أن تتحمل هذا العذاب اليومى حتى لو كان باسم الحب أو خوفا عليه. فليعلم أننى لن أسمح لأحد يحكم بأنى غاليت فى تزويق وجهى أو تجاوزت فيما ألبس وأخلع سوى مرآتى.
***
كلنا كنا فى وقت أو آخر ضحايا قسوة من زملاء فى المدرسة أو العمل. ظن هؤلاء أنهم بقسوتهم يحموننا من أنفسنا، يحموننا من بعض تصرفاتنا وأهوائنا. سلاحهم الخصام. أذكر أننا كأطفال ثم مراهقين كنا شديدى الحساسية ضد أن يخاصمنا أقرب صديق أو زميل. حذارِ من مخاصمة طفلك. يمكن جدا أن يصاب طفلك بمرض نفسى عضال لو أنك تجاهلته عمدا لفترة طويلة عقابا له على خطأ ارتكبه ودرسا ليتفادى تكرار الخطأ. المخاصمة من أسوأ العقوبات وأشدها قسوة. بل إنها الأسوأ على الإطلاق لو لجأ إليها رجل وامرأة متزوجان أو متحابان. الخصام تباعد وإن تكرر أو طال أمده صار نفورا، الذى هو أخطر ما يمكن أن يصيب الحب، وقد تأتى الإصابة، وأنا هنا أحذر، قد تأتى فى مقتل، أى فى هجر وكره.
***
أثارت قضية القاضى كافاناه جدلا فى الولايات المتحدة وربما العالم الغربى بأسره. السؤال المحير والمركزى فى هذا الجدل يدور حول ما إذا كانت حملة التحرش الجنسى تحولت أو هى تتحول إلى حرب حقيقية بين الجنسين، الذكور والنساء. تقول نساء لقد أنذرناهم ولم يرتدعوا. المجتمع الذكورى الذى نعيش فيه معهم استمر يتجاهل شكوانا ويقلل من أهمية تحذيراتنا وإنذاراتنا. أردنا مساعدة الرجال على اتباع نمط جديد من التعامل. لن نقبل بالنمط السائد. لا تستهينوا بما يمكن أن نفعله لنحمى الرجال من تبعات شرورهم وأخطائهم. نحن لا نصدق الرأى القائل بأن الذكور جبلوا على كره النساء. هم لا يكرهوننا. حتى الرئيس دونالد ترامب لا يكرهنا. كل ما هنالك هو أنه وأمثاله رضعوا مع حليب أمهاتهم الاستهانة بنا وتحقيرنا. انتهى هذا العصر. إنها فعلا الحرب نشنّها عليهم ليغيروا طبائعهم ويتعلموا كيف يتعاملون معنا بندية كاملة واحترام متبادل. نشن عليهم حربا نستعد لها من آلاف السنين، نشنها لأننا نحبهم.
***
علقت زميلة تخصصت فى العلاقات الخليجية الأمريكية على الرسائل العلنية المتبادلة مؤخرا بين الرئيس دونالد ترامب وولى عهد السعودية، قالت: «يا صديقى هو الحب فى أعلى مراحله. الخوف العارم فى أمريكا على مستقبل السعودية هو الذى يدفع واشنطن إلى هذه القسوة الشديدة وغير المألوفة فى التعبير عن مشاعرها».