تشكيل ميليشيات وإن كانت تحت السيطرة المركزية يهدد بنشوب حرب أهلية

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الأربعاء 9 أكتوبر 2024 - 8:37 م بتوقيت القاهرة

فى سبتمبر الماضى، أعلن الكرملين دعمه لمقترح أمام مجلس الدوما (مجلس النواب الروسى) يسمح لرؤساء جميع الكيانات الفيدرالية (حكام الأقاليم والمقاطعات والجمهوريات) بإنشاء وحدات عسكرية إقليمية خاصة بهم. هذه الميليشيات الإقليمية سوف تتعامل مع الظروف الاستثنائية، بما فى ذلك الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والحرائق، والتدخلات الأجنبية كالتقدم الأوكرانى إلى منطقة كورسك. وفى السادس عشر من نفس الشهر، وافق مجلس الوزراء الروسى على تعديلات على القوانين التى تحكم الوحدات العسكرية، كان قد اقترح هذه التعديلات أندريه كارتابولوف، ملازم أول فى الجيش، وعضو فى حزب روسيا الموحدة الحاكم، ورئيس لجنة الدفاع فى مجلس الدوما.
بالتالى، زادت موسكو بشكل كبير من عدد الجهات المسموح لها بتشكيل الميليشيات، والتى كانت فى السابق تشمل فقط تلك المناطق المجاورة لأوكرانيا، والشركات الكبرى فى أقصى شمال روسيا.
• • •
إذن، وبكلمات قليلة، هذا الإجراء المدعوم من الحكومة، والذى من المؤكد أن مجلس الدوما سيمرره ليصبح قانونًا، يهدف إلى السماح للمناطق بمكافحة الظروف الاستثنائية سواء فى حالة الصراع العسكرى أو أثناء وقت السلم. سوف يعالج أيضًا المشكلة الخطيرة المتمثلة فى أن العديد من المناطق فى روسيا تظل غير محمية ضد أى تحد عسكرى.
من المفترض أن موسكو تعتقد أنها ستكون قادرة على الحفاظ على السيطرة المركزية على هذه الميليشيات من خلال التجنيد والتسليح والتدريب المنظم مركزيا، إلا أن تمرد يفجينى بريجوجين، قائد مجموعة فاجنر العسكرية، فى العام الماضى، والموقف المستقل للزعيم الشيشانى، رمضان قديروف، الذى لديه بالفعل قواته الخاصة، هذان المثالان يشيران إلى أن الوحدات التى يتم إنشاؤها داخل منطقة تحت قيادة إقليمية من المرجح أن تكون مخلصة لقادتها المباشرين أكثر من موسكو.
بالفعل تحدث البعض فى الأقاليم والجمهوريات عن الحاجة إلى مثل هذه الوحدات الدفاعية، بالنظر إلى عجز موسكو عن مساعدتهم فى التغلب على الكوارث الطبيعية، أو الدفاع ضد الهجمات الإرهابية، أو حتى تلبية المطالب الأساسية لاحتياجاتهم الإقليمية. ومن المرجح أن تزداد مثل هذه المحادثات، وخاصة فى المناطق العرقية غير الروسية. يزداد الأمر سوءا فى هذه المناطق العرقية إذا كانت الميليشيات الإقليمية الجديدة تتألف فى المقام الأول من المحاربين فى حرب بوتين ضد أوكرانيا، كما ستحظى هذه الميليشيات بدعم منظمة المجتمع الروسى اليمينية التى تعادى بشكل علنى الجماعات غير الروسية العرقية. كانت منظمة المجتمع الروسى تعمل جنبًا إلى جنب مع المسئولين الروس لقمع غير الروس العرقيين فى شمال القوقاز.
وقتها لن يكون من المستغرب أن تدفع مشاركة المجتمع الروسى أحد زعماء الشركس إلى دعوة الروس غير العرقيين إلى تشكيل منظمات مجتمعية خاصة بهم. ومن المحتمل أن يقترح القادة أن تلعب هذه المجموعات غير العرقية الروسية دورًا رئيسيًا فى تشكيل الميليشيات الإقليمية فى جمهورياتهم الخاصة.
• • •
إنشاء هذه الميليشيات يحمل عواقب قصيرة وطويلة الأجل للدولة الروسية. ففى الأمد القصير، قد يؤدى إنشاء موسكو لتسلسلات هرمية عسكرية متعددة- بدلًا من الحفاظ على هيكل عسكرى واحد- إلى زيادة احتمالات محاولة الانقلاب ضد بوتين. وكثيرًا ما يُقال إن روسيا تفتقر إلى تقليد الانقلابات العسكرية إلى حد كبير، لأن القياصرة والمفوضين والرؤساء أصروا على وجود جيش واحد موالٍ لهم بدلا من إنشاء جيوش متعددة قد تغريها المعارك فيما بينها أو تتحدى زعيم البلاد. لكن بوتين ينتهك هذا التقليد، وبالتالى يعرض نفسه للخطر.
على سبيل المثال، أدى موقف بوتين المتساهل تجاه مجموعة فاجنر إلى الثورة المسلحة التى قادها بريجوجين، لكن السرعة التى استعاد فيها الكرملين النظام، وقمع فاجنر، تؤكد احتمالية عدم نجاح القوات العسكرية الإقليمية فى الوقت الحالى فى هكذا انقلاب.
كما أن إنشاء ميليشيات إقليمية من شأنه أن يفتح الطريق أمام إجراءات مماثلة وربما أكثر نجاحًا، بالنظر إلى حقيقة مفادها أن الهويات الإقليمية غالبًا ما تكون أوسع كثيرًا من الأراضى التى قسمت موسكو البلاد إليها.
أما العواقب طويلة الأجل فستكون أكثر إلحاحًا. على سبيل المثال، إذا ضعفت موسكو وسعى القادة الإقليميون إلى انتزاع المزيد من السلطة لأنفسهم، فمن المؤكد أنهم سينظرون إلى الميليشيات الإقليمية الجديدة كمورد مهم، وهو المورد الذى منحتهم الحكومة الروسية نفسها السلطة لتشكيله. فى هذه الحالة، من المرجح أن تشارك هذه القوات ليس فقط فى تحدى موسكو، لكن أيضًا فى القتال مع بعضها البعض خاصة القتال مع أولئك من الأعراق المختلفة.
من المفترض أيضًا أنه إذا انهار الاتحاد الروسى بعد رحيل بوتين عن المشهد، فإن الأوضاع سوف تشبه ما حدث فى عام 1991، والذى كان سلميًا بشكل ملحوظ، نظرًا، لأن موسكو وحدها كانت تمتلك الموارد العسكرية. وسوف تكون نهاية الاتحاد الروسى مختلفة جذريًا، لأن وقتها المناطق والجمهوريات ستكون مالكة لمواردها العسكرية الخاصة.
• • •
كلمة أخيرة، هناك منتدى للأمم الحرة لما بعد روسيا The Free Nations of Post-Russia Forum، وهو منتدى أسسه فى عام 2022 مالك مطعم أوكرانى يدعى أوليج ماجاليتسكى، وانفصاليون روس منفيون، فضلًا عن متعاطفين أجانب. يدعو هذا المنتدى إلى تفكك روسيا. فى 17 مارس 2023، تم تصنيف المنتدى باعتباره منظمة غير مرغوب فيها فى روسيا.
حدد المشاركون فى المنتدى هدفهم بتقسيم الاتحاد الروسى إلى دول مستقلة. وفى الاجتماع الثانى للمنتدى، ناقشوا مواضيع مثل إزالة الاستعمار والإمبريالية، والقضاء على البوتينية، والنازية، ونزع السلاح، ونزع الأسلحة النووية من روسيا. كما ناشد المشاركون فى المنتدى النخب الوطنية والإقليمية فى الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة، وحثوها على البدء فى إنشاء حكومات مؤقتة وطنية فى المنفى!
جاء فى كلمة خلال الاجتماع السادس للمنتدى فى أبريل 2023 أن نهاية الاتحاد الروسى من المرجح أن تشبه عام 1918 أكثر من عام 1991، ليس فقط فيما يتعلق بحجم العنف ولكن أيضًا فيما يتعلق بالترتيبات عندما تستقر الأمور بعد الحرب الأهلية.
إذ عندما حدث انهيار الإمبراطورية الروسية بعد سقوط النظام الملكى فى فبراير 1917، سعت مجموعات كبيرة وصغيرة مختلفة فى عام 1918 إلى الحصول على مكان لها، وشكلت جمهورياتها وجيوشها الخاصة التى تعاونت وتنافست مع بعضها البعض. سيكون الوضع فى مرحلة ما بعد روسيا فى المستقبل أكثر شبها بهذه الصورة منه فى عام 1991.
لذا، قرار نظام بوتين بتشكيل ميليشيات إقليمية يضمن المزيد من العنف، ويعنى أيضًا أن تفكك الاتحاد الروسى قد يكتمل فى نهاية هذه الفترة التاريخية من حكمه.

بول جوبل
موقع Eurasia Review
ترجمة: ياسمين عبداللطيف
النص الأصلى:
https://shorturl.at/lTcPG

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved