عقوبة وعلاج تاريخيان
معتز بالله عبد الفتاح
آخر تحديث:
الأربعاء 9 نوفمبر 2011 - 8:35 ص
بتوقيت القاهرة
نتساءل أمام حالة التخبط (التقليدى فى معظم الثورات) التى نعيشها: هل نحن معاقبون بما فعلنا وفعل السابقون علينا؟ الإجابة نعم.
قال أفلاطون: «إن من يعزف عن المشاركة فى الحياة السياسية، فسيعاقب بأن يحكم بمن هم دونه، ومن لا يراعون مصالحه». وقال روسو: «حين يقول المواطنون إنهم لا يكترثون بشأن الدولة، فإنك يمكن أن تعتبر أن الدولة قد انتهت». وهو المعنى الذى أشار إليه أليكس دى توكفيل: «الدولة شركة قائمة على مساهمات أعضائها، ولو توقف الشركاء عن لعب دور الشريك، فستنهار».
وقال الرسول، صلى الله عليه وسلم، «إذا رأيت أمتى تهاب أن تقول للظالم يا ظالم، فقد تودع منهم».
وقال العقل الجمعى المصرى: «قالوا لفرعون لماذا تفرعنت، قال: اسكتبرت ولم أجد من يردنى» وفى معنى موازٍ: «المال السايب يعلم السرقة، والشعب المتكاسل يعلم الاستبداد» إذن اغتصاب السلطة (الاستبداد) ومعه اغتصاب المال (الفساد) صفتان أصيلتان فى كل شعب يترك كامل أمره بيد من يحكمه دون رقابة أو مساءلة.
إذن لقد أخطأنا فى حق أنفسنا يوم أن بادلنا فساد الكبار بفساد الصغار، تعاملنا مع الخطأ بالتطنيش، ومع الخطيئة بالتسامح، ومع التزوير بالتجاهل.
ما يحدث الآن هو جزء من العلاج العقابى أو العقاب العلاجى الذى يشبه من يجرى عملية جراحية فى الرئتين لأنه كان شرها فى التدخين، فيحتاج المرء إلى عملية جراحية تنتهى إلى التخلص من الجزء الخبيث والإبقاء على كل ما هو حميد. يتطهر الجسد، ولكنه ككل تطهر له تكلفة يدفعها من يقع عليه العقاب العلاجى.
وعلينا أن نكون أكثر ثقة فى أنفسنا، وألا نخطئ خطأ من يرى فى من يخالفه وكأنه عميل أو مأجور أو مثل هذه الترهات. وكما قلت من قبل هذا مناخ «عك وشك». والجزء الخاص بالعك مفهوم لأننا لم نكن مستعدين لهذه الثورة، والمجلس العسكرى أساء من حيث كان ينبغى أن يحسن. فضلا عن أن أحدا لم يكن يعلم هذا الكم من المشاكل التى خلفها لنا السابقون. وهى مناخ شك لأن بنية العقل المصرى لم تدرب بعد على التفكير بمنطق أن الإنسان عليه أن يكون «صاحب رأى» وليس «صاحب الرأى» وليس «بلا رأى». كما كان يقول الزكى النجيب محمود.
كتبت من قبل أننى عملنا ثورة «شبيهة بنا» كما قال الصديق العزيز الدكتور إبراهيم عرفات الذى حلل المشهد العام فى مصر باستعراض أربعة عيوب فى الشخصية الجمعية المصرية تبرز بطريقة أوضح فى كل يوم جديد يمر من عمر الثورة. وهذه العيوب باختصار هى:
أولا النجاح كأفراد والإخفاق فى العمل بروح الفريق. ثانيا، عدم القدرة على إنهاء الأشياء بنفس المهارة التى بدأناها بها (مشكلة الفنيشنج). ثالثا، حب الجدل حتى حول البديهيات. رابعا غياب الإحساس بعامل الوقت والتعامل مع الزمن وكأنه مورد غير محدود. وهى لا شك عيوب ثقافية موجودة فى السياسة كما غيرها من مجالات. هما عقوبة وعلاج تاريخيان، ولكن فيهما مزية: من تعافى من المرض وأخذ العلاج، فلن يعاقب مرة أخرى. معتز بالله عبدالفتاح
m@aladl.net