لأول مرة: رئيسان لمصر
وائل قنديل
آخر تحديث:
الجمعة 9 ديسمبر 2011 - 9:45 ص
بتوقيت القاهرة
لمصر الآن رئيسان للجمهورية أولهما تابع والثانى متبوع، والمتبوع هو المشير الذى يتمتع بصلاحيات مطلقة تخول له المنع والمنح، فقرر أن يمنح الجنزورى مرسوما بصلاحيات رئيس جمهورية إلا قليلا.
وبمقتضى الإعلان الدستورى الصادر فى نهاية مارس الماضى فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يقوم مقام مؤسسة الرئاسة فى مصر، ورئيس المجلس فعليا هو رئيس الدولة.. وبمقتضى المرسوم الصادر من المجلس أمس الأول أصبح رئيس الحكومة المكلف كمال الجنزورى يتمتع بصلاحيات رئيس الجمهورية شكليا، باستثناء شئون الجيش والقضاء.
وبذلك يكون لمصر رئيسان نظريا، غير أن فعليا هناك رئيس واحد يمتلك وحده جميع السلطات والصلاحيات، ويستطيع أن يجرد الثانى من كل ما حصل عليه من صلاحيات وعطايا سياسية فى أية لحظة، وهو ما يعنى أن الرئيس الثانى مجرد موظف عند الرئيس الأول، يمكن أن يؤدى دور «المصد» أو «الاسفنجة» الذى كان يلعبه عصام شرف على فترات، فيتلقى الهجوم الإعلامى، ويمتص الضربات السياسية، بدلا من رأس الدولة الفعلى.
و الحاصل أن نظرية «الاسفنجة» كانت سائدة طوال الشهور العشرة الماضية، الأمر الذى يفسر سر تمسك السلطات الأعلى بمن يشغل المناصب الأدنى على الرغم من الهجوم عليه والمطالبة بتغييره.. وهى نظرية أقرب لفكرة «الدوبلير» فى السينما وخصوصا فى أفلام الأكشن، حيث يتلقى الضربات بدلا من البطل، ويلقى فى النار، ويسقط من حالق نيابة عنه أيضا، فيما يهنأ البطل باللقطات الناعمة الهادئة.
لقد قيل كلام كبير وكثير عن صلاحيات مطلقة ستمنح لكمال الجنزورى، ثم كانت خطوة الإعلان عن تفويضه بمهام رئيس الجمهورية من قبل المجلس العسكرى، وأظن أن ذلك لم يكن إلا نكاية فيمن رفضوا لعب هذا الدور من قبل واشترطوا لقبول المهمة صلاحيات كاملة فى إدارة شئون البلاد خلال ما تبقى من المرحلة الانتقالية، فمن الواضح حسب المرسوم بقانون الصادر من رئيس المجلس العسكرى أن الصلاحيات الرئاسية المنقولة إلى الجنزورى هى صلاحيات شكلية، أقرب إلى التوكيل، يمكن للموكل أن يسحبه وقتما يشاء، لأن نقل الصلاحيات لم يتم بإعلان دستورى كما تردد قبلها، بل بمرسوم بقانون، ومن ثم فهو قابل للإلغاء فى أى وقت، ناهيك عن أن صلاحيات رئيس الجمهورية لا تمنح من شخص وجهة، بل يحددها الدستور، وينص عليها بعبارات واضحة لا لبس فيها.
والموقف الآن أن «العسكرى» ألبس الجنزورى زى «الرئيس» فقط، دون أن تكون لديه سلطاته وصلاحياته، والتخوف الآن أن يكون ما يجرى مع الجنزورى بروفة أو توطئة لما سيكون عليه وضع الرئيس القادم بعد الانتخابات.
والمفارقة أن الجنزورى الذى اتهم يوما بالتكويش على السلطات، وعرفت عنه شراهته لاحتكار المناصب، سعيد وراض الآن بمجرد استنشاق رائحة السلطة.
إنها حقا حكومة إنقاذ، لكنه ليس الإنقاذ الوطنى!