نقابة المهن الموسيقية
عمرو هاشم ربيع
آخر تحديث:
الخميس 9 ديسمبر 2021 - 9:30 م
بتوقيت القاهرة
نقيب المهن الموسيقية هانى شاكر، يخوض منذ أن تولى مهام نقيب الموسيقيين فى يوليو 2019 حربًا ضروسًا لا نقل ضد أشخاص بعينهم، بل ضد السعى لشرود ومروق الذوق العام، معركة تهدف للعودة بالقيم المصرية النبيلة إلى حاضنتها الأم، المتمثلة فى سمو النفس ورفعة الوطن وسمت البلاد الحسن وتاريخها وحضارتها الراقية.
فى الأيام الماضية اشتدت الصراعات حول هانى شاكر بسبب قرارات النقابة للذود عن الذوق العام، بحيث يكون هناك نظام يلتزم به الجميع أثناء الأداء. منعًا للخروج والفسوق عن الاتجاه العام الذى اعتادت عليه الأغنية المصرية، المتسمة بوجه عام بالرقى والعلاء.
منذ أكثر من عدة سنوات، ضُرب الذوق العام فى مقتل ليس فى الأغنية المصرية فحسب، بل فى كل ما يُظهر القيم والثقافة، وذلك إجمالا عبر الملبس والمشرب والحديث والسلوكيات. وكان كل ذلك ناتجا عن مناخ عولمى، ومتماشيًا مع جنوح قطاع من الشباب ناحية تقليد كل ما هو غربى أو موضات يبتكرها من يعتبرونهم هؤلاء المقلدون قدوة لهم، أو بسبب مناخ الأمية الثقافية (بل واللغوية) الذى أصبح سائدًا هذه الأيام. وفى ظل تشجيع الأدوات العولمية من موبيلات وقنوات فضائية كثيرة وأدوات إنترنت ومواقع تواصل اجتماعى كثيرة، أصبح السائد هو كل ما هو مقلد أو ماسخ أو غريب عن التقاليد والأعراف المصرية، النابعة من الثقافة والهوية المصرية والعربية والإسلامية.
من هنا لم تكن المواجهة التى يخوضها هانى شاكر مع الشاردين، سوى جزء من مواجهات يجب أن تشارك فيها الدولة ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية من مجتمع مدنى وخلافه. مواجهات مع من يعتبرون أنفسهم قادة الرأى فى مجتمع ضحل فيه القادة الحقيقيون بعد أن غيبهم الموت أو بعد أن يأس من بقى منهم على قيد الحياة من جيل سعى إلى التغريب ومحاكاة كل ما هو مختلف بكل حواسه، بسبب الرغبة فى لفت الأنظار، الناتج عن غياب التعليم والوعى الذى لا تُسأل عنه فقط مؤسسات التعليم الرسمية بل وأيضًا المؤسسات الأخرى كالأسرة والإعلام والمجتمع المدنى ودور الثقافة، لأن بعضًا من تلك المؤسسات إما لا يقوم بواجبه على أكمل وجه أو يروج لتلك الأفعال الغريبة.
الذى لا يقوم بواجبه هنا هو الأسرة ذات الأب العامل فى الخارج أو الغائب عن المنزل معظم اليوم أو الأم العاملة التى يربى أبنائها الخادمات، أو منظمات المجتمع المدنى. أما المروجون للعادات والتقاليد الغريبة فهم على وجه الخصوص العاملين فى قطاع الإعلام والسينما والقائمين على المهرجانات الغنائية والفنية التى تروج لأصوات وأزياء وأسلوب كلام وسلوكيات غريبة عن المجتمع بل ومستهجنة، لا سيما وأن الكثير منه يؤثر على الغير، لكونه يروج للعنف والخروج عن الذوق العام فى التعامل مع الغير، وكل ذلك يرجع للرغبة فى الكسب السريع من أشخاص يحسبون أنفسهم فنانين وقد وجد هؤلاء زبائنهم بسهولة.
فى الأغنية المصرية على وجه التحديد تبدو المشكلة فى وجود أنماط غريبة سادت المجتمع منذ عدة عقود، لا أصوات ولا ألحان ولا كلمات ولا أزياء. فى السابق كانت الأغنية راقية وذلك فى عهد أهل الفن من أساطين الطرب الأصيل. كانت الأغانى تحمل بوجه عام معانى سامية، مقابل كلمات خادشة للحياء العام اليوم، كلمات تحمل محاسبة وملاحقة قانونية لأصحابها. وكان الناس فى السابق يلحنون بأصواتهم أثناء الغناء بمد الكلمات وقصرها وتضخيم الأصوات ورفعها وغيرها من المقامات، مع موسيقى جميلة وراقية وغير صاخبة، موسيقى لا تغطى على الأصوات كما يحدث الآن؛ حيث تجد اليوم الألحان المزعجة التى تغطى على نشاذ الأصوات.
فوق هذا كنا نجد المطرب أو المطربة واقفا شامخًا يغنى بحواسه، مقابل ما نجده اليوم من غناء بحركات هستيرية تحمل ضربات قوية فى الهواء بالأقدام والأيدى والرقص المفتعل.
كان المرء يشاهد أزياء راقية وجميلة للغاية، تمثل نوعًا من الاحتشام غير الخادش للحياء، مقابل ما يلاحظ اليوم من عرى رجالى ونسائى وأشكال يراد بها إثارة غرائز الشباب.
لكل ذلك لا يجب أن يكل الجميع من مواجهة كل ما سبق من أمور، وهو دور تتحمل أعباؤه جميع مؤسسات التنشئة الاجتماعية، ومنها بالطبع نقابة الموسيقيين التى يبدو أنها تقف وحدها فى الميدان بجهد مشرف من النقيب هانى شاكر. لأنه فى النهاية لا حياة ولا قيم ولا شرف لمجتمع يطمس ثقافته وهويته بيده.