الدراما السورية فى سقوط بشار
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 9 ديسمبر 2024 - 6:15 م
بتوقيت القاهرة
يدخل الشبيحة، بمساندة الغرباء، إلى الحارة تحت شعار البحث عن حقوق ورفع مظالم،، قبل أن يستيقظ شيخ الحارة «المكروه» لمعرفة ما يدور، ليكتشف اختفاء الشرطة، فيهرب تاركًا الناس تواجه مصيرها، هذا ما قدمته الدراما السورية فى العديد من المسلسلات التى راجت لفترة على شاشات التليفزيون العربية، وهو خيال ليس ببعيد عن واقع اللحظة الراهنة.
والواقع يقول إن ورقة بشار الأسد سقطت، وأن صفحة جديدة تسطر بمداد جديد، مع تكالب الضباع على تقاسم تركة الرجل الهارب إلى موسكو لاجئا، غير أن «أدب المفارقات الذى تخالف فيه النهايات المقدمات»، كأحد تعريفات الدراما، يخفى فى طياته «المأساة والملهاة» التى يخشى البعض حدوثهما.
رحل بشار فى طرفة عين، واكتسحت ميليشيات الأمس «الإرهابية» و«ثوار» اليوم المدن السورية واحدة تلو الآخرى فى عشرة أيام، قبل أن يدخل «زعيم النصرة» وقائد «هيئة تحرير الشام» أبومحمد الجولانى، دمشق، مصحوبًا باسمه الجديد «أحمد الشرع» لإضفاء «شرعية» على واقع جديد، رحبت به واشنطن وتل أبيب، قبل أن تبارك الجوقة الأوروبية لسقوط «الطاغية!».
لا تعرف السياسة الأفراح والأحزان فهى فعل برجماتى «نفعى» يبحث فيه اللاعبون عن مصالحهم بعيدًا عن العواطف التى قد تجلب العواصف، هكذا يجب أن نفهم ما بدأ فجر الثامن من ديسمبر، ونحن نتابع مشاهد إسقاط تماثيل الأسد الأب والشبل بشار، فى ساحات دمشق، فما أشبه الليلة بالبارحة، فقد سقطت تماثيل صدام فى بغداد على الشاكلة ذاتها.
يفسر البعض سقوط الأسد الابن وفراره واختفاء جيشه بهذه السرعة، بوجود صفقة دولية إقليمية بين الولايات المتحدة و وروسيا وتركيا وإسرائيل، جرى تنفيذ بنودها بعناصر محلية «تحالف ما يسمى المعارضة»، بل إن روسيا تشير إلى مشاركة بشار ذاته فيما جرى، وتقول إنه قدم استقالته، وأمر بمرحلة تسليم وتسلم هادئة.
يقول البعض أيضًا إن القوى الدولية، وعلى رأسها واشنطن تعلمت من درس سقوط صدام، فلن نرى بول برايمر يأمر بحل الجيش السورى، بما يفتح بابًا للفوضى، وأن الميليشيات المحلية وقائدها الذى لعب لفرق النصرة وداعش و القاعدة، تعلم الدرس أيضًا بعد أن تغاضت واشنطن عن المطالبة برأسه مقابل 10 ملايين دولار، وأنه سيتبع الأوامر، فلا إراقة للدماء ولا مشاهد للثأر والانتقام.
هذا كله «كلام معسول» لكن ما ضمانات التطبيق والساحة السورية تعج بمختلف المقامرين؟ ألا يمكن أن تخرج الأمور عن السيطرة ونحن نرى تحرشًا بين رجال تركيا وصنيعتها، مع عناصر «قسد» الكردية شرق البلاد؟ ألا يغرى المشهد «الدواعش» للعودة من جديد، وهم يرون أشبالهم يصولون ويجولون اليوم باعتبارهم المحررين!
سيرد البعض بأن اللاعب الأكبر فى البيت الأبيض لن يسمح بتحرك على رقعة الشطرنج السورية إلا بما يخدم أهدافه، ويلبى مصالح إسرائيل، الرابح الأكبر، وقد شاهدنا كيف سارعت باحتلال المنطقة العازلة فى الجولان.
يتحدث رجال العهد الجديد بأن «سوريا للجميع» لكن من يضمن ألا ينفلت عيار أصحاب الايدولوجيا الإسلامية، وأن يغريهم المشهد لتنفيذ أجندتهم على «الجميع»، وأن تطفوا على السطح خلافات «المجاهدين» ما بعد خروج السوفييت من بلاد الأفغان، فيتحول رفقاء الأمس إلى حيوانات ضارية تنهش لحم إخوتها؟
هل ستلملم إيران أوراقها السورية إلى الأبد؟ وهل ستتخلى عن مشروع تصدير الثورة الخومينية وتحرير القدس، عقب اقتحام سفارتها فى دمشق، ومغادرة عناصر حزب الله الأراضى السورية فى جنح الظلام، بالتزامن مع خطة هروب الأسد؟!
ألا يحق لجيران سوريا وأبناء إقليمها فى العراق والأردن ولبنان والخليج ومصر أن تنتابهم المخاوف من تداعيات ما يدور على أمنهم واستقرارهم، وهم يرون علنا، كيف يصنع الشرق الأوسط الجديد الذى بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس؟
وأخيرًا ما هو مصير القضية الفلسطينية وما مستقبل غزة فى ظل ما ما يجرى من تشكيل جديد للمنطقة؟ هى تساؤلات مشروعة، لا تمنع أن نتمنى للأشقاء فى سوريا تخطى المرحلة الصعبة بأقل قدر من الخسائر فهم على طريق وعرة تتم فيها عمليات الجراحة فى فضاء مكشوف بلا أدوات تعقيم.