صبرًا إسرائيل فقد اقترب 20 يناير
سيد قاسم المصري
آخر تحديث:
الثلاثاء 10 يناير 2017 - 9:35 م
بتوقيت القاهرة
«صبرا يا إسرائيل فقد اقترب 20 يناير».. تلك كانت التغريدة التى كتبها دونالد ترامب خلال السجال الذى حدث بين جون كيرى وزير خارجية أمريكا ونتنياهو رئيس وزراء إسرائيل على إثر التصويت غير المسبوق الذى حدث فى مجلس الأمن والذى سمحت فيه الولايات المتحدة بصدور قرار يدين سياسة إسرائيل الاستيطانية، وكأن ترامب ــ الذى فرح بما قدمه المهللون الذين تشبعوا بفكرة أوباما الإخوانى ــ يقول لإسرائيل: لا تجزعى مما حدث فكل ذلك سيتغير بمقدمى الذى لم يبق على موعده إلا أيام معدودات، وعندئذ سأعترف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل وسأعلن نهاية صيغة الدولتين ولك أن تقيمى من المستوطنات ما شئت فى دولتك الموحدة من النهر إلى البحر.
والذى يؤكد أن ترامب هو جاد فى السير فى هذا الاتجاه أن الشخص الذى رشحه سفيرا لأمريكا فى إسرائيل هو دافيد فرديمان الذى كان عضوا فى أكبر المنظمات الصهيونية فى أمريكا وكان يجمع التبرعات لإسرائيل، صرح بأنه لا يرى أن بناء المستوطنات عقبة فى طريق السلام وأنه يعتقد أن ترامب يؤيد قيام إسرائيل بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية وأن إدارة ترامب لن تعتمد سياسة حل الدولتين.
*****
لم يحدث فى تاريخ العلاقات الأمريكية ــ الإسرائيلية خلاف علنى حاد سوى مرة واحدة إبان حكم إيزنهاور بسبب العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، حيث غضب إيزنهاور لأنه تعرض لخديعة من جانب الدول الثلاث بريطانيا وفرنسا وإسرائيل الذين تآمروا معا من وراء ظهره ووضعوه أمام الأمر الواقع الذى رفضه إيزنهاور بحسم، وأمر الدول الثلاث بوقف العدوان والانسحاب وهدد بوقف برنامج المساعدات لبريطانيا وإسرائيل.. ولكن هناك فروقا بين الموقفين.
فى عام 1956 كان الخلاف حول قناة السويس وليس حول السياسة الصهيونية فى فلسطين وكان اللاعبون الأساسيون هما بريطانيا وفرنسا وكانت إسرائيل مجرد تابع أو «محلل» لسبك المؤامرة التى كانت تقضى بقيام إسرائيل باجتياح سيناء وعندئذ تطالب بريطانيا وفرنسا الدولتين المتحاربتين ــ مصر وإسرائيل ــ بوقف القتال والانسحاب من منطقة القتال حفاظا على الممر الدولى.
أما الخلاف الحالى الذى لم تجرؤ إدارة أمريكية سابقة على الخوض فيه فهو يدور حول لب السياسة الصهيونية الاستيطانية التوسعية.
يضاف إلى ذلك أيضا أنه من غير المألوف أن يقوم وزير خارجية إدارة منتهية ولاياتها بإلقاء بيان كبير فى السياسة الخارجية يعلن فيه على الملأ ما كان يقال فى الغرف المغلقة وهو أن الاستيطان قد جاوز المدى وأصبح يهدد قيام دولة فلسطينية.
ولقد كان من بين ما قاله كيرى فى هذا الخطاب الشامل أن إسرائيل أصبحت عقبة فى طريق السلام وأن الحكومة الإسرائيلية قد قضت على أى أمل فى إنجاز حل يقوم على أساس «الدولتين» وأن تصويت الولايات المتحدة فى مجلس الأمن كان يهدف إلى إنقاذ إسرائيل من «أشد العناصر تطرفا فى حكومتها»، لأن استمرار الوضع الراهن هو تكريس لاحتلال دائم وأنه يقود إسرائيل لكى تصبح إما دولة عنصرية غير ديمقراطية وإما دولة غير يهودية.
وقد قال نتنياهو ــ فى خطاب متلفز باللغة الإنجليزية ــ ردا على جون كيرى «أن الأصدقاء لا يأخذون أصدقاءهم إلى مجلس الأمن»، فرد كيرى بأن «الصداقة لا تعنى قبول سياسات الآخر بشكل مطلق حتى ولو تعارضت مع سياستنا ومبادئنا ومواقفنا ومصالحنا»، وأضاف أن «الأصدقاء الحقيقيين هم الذين يصارحون أصدقاءهم بالحقائق الصعبة».
*****
لقد عمدت إسرائيل إلى شخصنة النزاع بأن اتهمت أوباما وكيرى ــ علنا وعلى لسان نتنياهو، بأنهما تآمرا مع الفلسطينيين وطعنا إسرائيل فى الظهر وأن قرار مجلس الأمن هو صناعة أمريكية من أوله لآخره، كما أطلقت إسرائيل أنصارها فى الكونجرس من الحزبين لمهاجمة أوباما وكيرى ولم تعد إسرائيل تلعب فى السياسة الداخلية الأمريكية من وراء ستار كما كان الشأن فى الماضى بل صارت تلعب على المكشوف حتى إن نتنياهو قام بإلقاء خطاب فى الكونجرس الأمريكى بمجلسيه لحثه على إفشال مساعى إدارة أوباما لتوقيع الاتفاق النووى مع إيران، وتمت زيارة نتنياهو لواشنطون بدون دعوة من الحكومة ودون مقابلة الرئيس أو وزير الخارجية، ولا شك أن هذه كانت من العناصر التى دفعت أوباما لتوجيه لطمة قرار مجلس الأمن لإسرائيل.
*****
ولكن السؤال الآن ما الذى يود أوباما تحقيقه من كل ذلك، وهل يمكن لإدارة وهى فى مرحلة البطة العرجاء أن تحقق أى شىء من السياسات التى فشلت فى تحقيقها طوال ثمانى سنوات من الحكم؟ بالطبع لا.. ولكنها ــ على الأقل ــ وضعت عقبة كئود أمام إدارة دونالد ترامب يصعب تخطيها بسهولة، كما أنها أرست أساسا قانونيا لمزيد من قرارات مجلس الأمن المناصرة للحق الفلسطينى وأعطت الفلسطينيين والناشطين الدوليين سندا قانونيا لبناء دعوة قضائية ضد الحكومة الإسرائيلية وأيضا لملاحقة بعض أعضائها جنائيا، خاصة وأن العواصم الأوروبية استقبلت قرار مجلس الأمن وخطاب كيرى بترحاب كبير.
لقد كتب أحد أعضاء مجلس العلاقات الدولية وهو فيليب جوردون تحليلا فى النيويورك تايمز يشير فيه إلى أن اندفاع ترامب فى تبنى سياسة اليمين الإسرائيلى المتطرف ستجلب أضرارا كبيرة على الولايات المتحدة، بل وعلى نتنياهو الذى سيجد نفسه مضطرا للانسياق وراء أكثر السياسات تطرفا الأمر الذى قد يؤدى إلى عواقب خطيرة؛ مثل المقاطعة الأوروبية وتدخل المحكمة الجنائية الدولية واحتمال فقدان تأييد يهود الولايات المتحدة الذين يقلقهم استمرار تحكم إسرائيل فى سكان الأراضى المحتلة مع حرمانهم من الحقوق الأساسية، فضلا عن القلائل التى قد تحدث فى الأردن... إن نتنياهو كان مستريحا جدا مع الوضع القائم Status Quo الذى سينتهى لا محالة بدخول ترامب إلى البيت الأبيض.