مجلس الهياط والمهايطة
امال قرامى
آخر تحديث:
الإثنين 11 يناير 2021 - 12:32 م
بتوقيت القاهرة
يعرّف الهياط والمهايطة بالصياح والجلبة، وهو سلوك نعاينه فى بعض الأفضية العامّة كمدرجات الملاعب الرياضية أو الأسواق العمومية وغيرها.
غير أنّ المهايطة صارت متفشية فى أماكن أخرى يُفترض أن تكون فضاءات السلطة والضبط والصرامة والالتزام بالمعايير الاجتماعية والتربوية كقاعات الدرس، والاجتماعات الرسمية التفاوضية وغيرها بل تفشّى هذا السلوك فى البرلمان فصار الهياط والمهايطة سمة لا تفارق أغلب الجلسات، وسلوكا يتميّز به عدد من النوّاب/ النائبات. ولا يذهبنّ فى الظنّ أنّ ما يحدث فى مجلس الشعب هو علامة على تخلّف الشعوب العربية والإسلامية التى لم تتعلّم الدروس من الغرب. فما جرى فى برلمانات عدد من البلدان الغربية خلال هذه السنة العصيبة، وما حدث خلال هذا الأسبوع، وفى «الكونجرس الأمريكى» من عمليات اقتحام وفوضى وعنف مادى يُقيم الدليل على أنّ العالم فقد البوصلة إذ تحوّلت «جغرافيا العنف» من الهامش إلى المركز، وصارت عبارات «ثقافة التفاوض» و«التداول السلمى على السلطة» بلا معنى وهيمنت الشعبوية على السياسيين الجدد.
ولا يذهبنّ فى الاعتقاد أنّ الهياط مرتبط بالمستوى التعليمى أو الثقافى أو الطبقى أو غيرها من المحدّدات بل رأينا الطبيب والإمام والمهندس والمحامية والمعلّمة و«الكناترى» يتبنّون نفس السلوك فصاروا جميعا من هواة الضجيج والصراخ وبذلك استحالت ممارسة الصمت والتأمّل والإصغاء وغاب الاستعداد للتفاوض مع الآخر. وحين تتعطلّ لغة الكلام فى مجلس تشريعى ومع من يتمثّلون أنفسهم أصحاب السلطة والامتياز، تكون الديمقراطية فى مأزق حقيقى... إنّها عليلة وإمكانات الشفاء محدودة.
ومن ملامح هذه الأزمة عدم الاعتراف بالسلطة ولا بممثّلها إذ بات رئيس مجلس الشعب يسوس قوما غير قابلين للضبط، عاجزا عن إلزام الحضور باحترام رمز السلطة وغير قادر على تحويل المجلس إلى فضاء لنشر المعلومات وتبادل الأفكار والحوار والتفاوض والبناء. وكلّما اشتدّ على «الرئيس» الخناق فقد القدرة على مواجهة الموقف ومال إلى الاستبداد بالرأى وصار يخبط خبطا عشوائيا. وليس عدم الاعتراف بممثّل السلطة، فى نظرنا، إلاّ علامة على أنّ الخطاب فقد الصدقية والنجاعة والقدرة على التأثير. ومن علامات هذه الأزمة كذلك لجوء النواب/ النائبات إلى توظيف أدوات الاحتجاج والنشاطية activisme من اعتصام وغلق للأبواب، وسدّ للمنافذ ورفع للشعارات ولبس القمصان الخاصة وتحوّل أغلبهم إلى «موثقين» للأحداث صوتا وصورة وغيرها من الممارسات، وفى المقابل لجأ «الرئيس» إلى قطع النور، والماء، والمكيفات الهوائية ومنع وسائل الإعلام والضيوف من الدخول وغيرها من الإجراءات التى تثبت بما لا يدع مجالا من الشكّ، أنّه ما عاد قادرا على «إصلاح ذات البين» بالموعظة والحكمة.
ومن علامات إفراغ الديمقراطية من محتواها تحوّل الهياط والمهايطة من ردّ فعل متهوّر مناسباتى إلى سلوك ممنهج وثابت واستراتيجية لفضح الآخر وإرباك موقعه، وهدم الصورة التى بناها لنفسه أو صنعها الأتباع له، وإجباره على مفارقة وضع ركحى تلوح معه الرصانة والوقار والهيبة... وبالرغم من أنّ المهايطة تتجاوز الجندر والسنّ والطبقة والعنصر... فإنّ المشاهدين/ات يصرّون على ربط الهياط بـ«الزغرادة» و«الحارزات» وجماعة «الفضايح» و«البلايك»... ليغدو علامة على «نقصان العقل والدين» والانفعال والفوضى وغيرها من الصفات التى تنسب لنساء لبعض نساء الخاصّة ولجميع المنتميات إلى «العوام» و«الرعاع».
غير أنّنا عثرنا على تمثّل سياسى أيديولوجى لسلوك الهياط والمهايطة إذ مدح الأتباع والمعجبون تفوّق «العبّورة» فهى المهيمنة على الساحة بلا هوادة وليس لها مثيل ولا منازع. وكلّما حاول الخصوم تصميتها واصلت فكانت عن جدارة «صاحبة الصوت المدوّى» وهنا لم تعد المهايطة علامة على سلاطة المرأة وخروجها عن الامتثالية والمعيارية بل حجّة على القدرة على المقاومة و«مزاحمة الذكران» ذلك أّنّ الرجولة تحتاج إلى الهياط بين الحين والآخر لفرض السلطة.
وبما أنّ الأفكار والتصورات لم تعد مطروحة داخل المجلس، والتشريع معطّل والديمقراطية مرتهنة فإنّه لم يعد للمعلّقين والكروكونيين والمحللين السياسيين وغيرهم سوى الهياط أسوة بأهل السياسة.
نقلا عن جريدة المغرب التونسية