فلنفعلها قبل الانفجار


رضوى أسامة

آخر تحديث: الأربعاء 10 فبراير 2010 - 11:03 ص بتوقيت القاهرة

 للمرة الثانية أكتب عن عيد الحب، بالضبط منذ عام كامل، أفتح ملف الورد على الكمبيوتر وأنظر فيما كتبته فى المساحة نفسها عن عيد الحب السنة الماضية.. وأفكر فيما سأكتبه هذا العام.

تشغلني هذه الأيام أسئلة عدة حول مفهوم الحب، والاختلافات بين الشريكين ،وقبول الآخر غير المشروط. لسبب ما أقضى وقتا فى سماع أغنيات عن الحب، سواء الهجر أو تلك البدايات الجديدة فى الحب، يمكنني الادعاء بأنني حاولت جيدا سماع صوت الأنثى فى الحب ونظرتها له، ظللت أقارن بعقلى بين نظرة «إليسا» للحب فى شريطها الجديد ونظرة «شيرين» التى بدت أكثر قوة وصلابة.

أحلل مضمون ما تقوله مريضاتي فى العيادة عن علاقاتهن بأزواجهن وأحبائهن، الكل يبدو منشغلا بالحب.. تبدو لى عبارة مديري التى يقولها دوما « ما حدش فاهم حاجة» مناسبة تماما. نسعى بشكل مرضى إلى امتلاك مشاعر الحب، أن تمتلك شخصا أو أن تضع مشاعرك كاملة وتسلمها إلى شخص تظن أنه يستحق، تتخلى عن ذاتك وتدخل عاريا إلى التجربة لتلتحم مع آخر وتذوب فيه، فيفقد كل منكما ملامحه الشخصية ليذوب فى الآخر.

هل الحب هو ذلك الذوبان فى الآخر؟ عندما تنتهى العلاقة لسبب ما، تكتشف أنك عاريا وحدك بدون ذاتك، بدون أى شىء، فتصبح آخر لا تعرفه فتشعر بالاغتراب. لسبب ما، تواطأت أغانى الحب والأفلام الرومانسية علينا لتشكل مفاهيمنا حول الحب، وتترك العلم مجردا من أى سلاح لترك أى بصمه حول مفهوم الحب.

الكتابة عن الحب فى منتهى الصعوبة لرومانسية مثلى، تؤمن بشكل شخصي أن الحب هو الذوبان الكامل فى الآخر، وتعرف بشكل علمى أدق أن الذوبان الكامل يفقد الشخصية ملامحها فتتيه فى اضطرابات نفسية معقدة.

فلنصغ الأمر بشكل أفضل، فلنستغل عيد الحب فى مراجعة مفاهيمنا حوله، نتيه فى المظاهر، يبدو شارع شبرا مليئا باللون الأحمر والدباديب الحمراء والوسادات الصغيرة والأكياس الملونة، تبهرنى بالطبع، أتخيل كمراهقة رومانسية قديمة بابى فى الصباح مفتوح على هدية كبيرة ملفوفة بعناية شديدة، لكن أهذا هو الحب؟

هل تصنع العلب الملونة والدباديب الكبيرة مشاعر دافئة فى علاقة مستقرة لسنوات طوال. أنظر هذه الأيام للأزواج الكبار العجائز، فى شارع شبرا يبدو لى زوجان فى غاية الروعة، فى السبعين من عمرهما، يمسك يديها برفق ويسندها حتى تتجاوز الرصيف بسلام، أخمن عمر زواجهما، أربعون عاما على الأقل، ماذا فعلا ليستمرا كل هذا العمر؟

ماذا نفعل إزاء اختلافاتنا، بالفعل نحن مختلفان، لكل منا شهادة ميلاد وأصدقاء طفولة وبيئة عمل وأسرة مختلفة واهتمامات مختلفة وآراء أكثر اختلافا، ماذا نصنع بكل هذه الاختلافات؟

كيف نذوب فى بعضنا البعض أمام كل هذه الاختلافات، رغم أهمية مفهوم القبول غير المشروط، لكنه مصطلح مستفز للكثيرين، ويبدو عاجزا أمام الواقع فى كثير من الأحيان، ويثير أسئلة عدة حول من سيقبل من؟

وحدود ذلك القبول غير المشروط، وهل هى عملية متبادلة؟ أسئلة كثيرة تنطلق حول هذا المفهوم، كثيرا ما يستغرقنى التفكير فيها، وتدفعنى إلى عدم قبول هذا المفهوم وحده، لا أتخيل علاقة ناجحة تقوم على هذا المفهوم وحده، أن يقبل منا الآخر قبولا غير مشروط، هل يعنى ذلك أنك تقبل سمات فى حبيبك لا تحبها، وتضطر لقبولها لأنك تؤمن بهذا المفهوم لكنك بعد سنوات ستكتشف بأن بالونتك الداخلية امتلأت وأنك ما عدت قادرا على الاحتمال دون أن تذكره أنك تؤمن بمفهوم القبول غير المشروط، وتصبح مناقشة سخيفة حول قدرة كل منكما على قبول الآخر.

أظن أن القبول غير المشروط يمكننا النظر له كمناخ آمن للتغيير، يبدو أننا لن نستطيع العيش كل الحياة ونحن نقبل آخر مختلفا عنا تماما وربما يزعجنا جدا، فى مرحلة ما يجب أن نتوقف ونراجع قبولنا للآخر، ونراجع تلك المساحة الممتلئة داخلنا، ونفكر فى خطوة أعمق من مجرد القبول، لا أتخيل حياة صحية تقوم على القبول فقط.. دون محاولة حقيقية لفعل خطوة أعمق من ذلك، فلنفعل خطوات أعمق، لا تضغطوا طرفا فى العلاقة لأنه سينفجر، سيبدو الحب ملهاة سخيفة أمام الانفجار.. حينما يحدث الانفجار يبدو الحب صغيرا جدا، وغير قادر وحده على تغيير الأشياء، فالقبول خطوة لفتح مناخ آمن للتغيير وليس طريقة حياة سنعيشها معا..

فلنحتفل بعيد الحب رغم كل شىء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved