المقاومة النفسية


رضوى أسامة

آخر تحديث: الجمعة 10 فبراير 2012 - 9:25 ص بتوقيت القاهرة

«لسه عندى أمل فى بكره والنهارده». عبارة دالة جدا قالتها لى إحدى المعالجات النفسيات وهى تروى قصة طفلة لم تتعد الخامسة عشرة من عمرها، تعيش فى بيئة غير صحية بالمرة، إذ تعمل الأسرة بأكملها فى تجارة المخدرات وتفرض نمط حياتها على البنت التى تريد أن تستكمل تعليمها وتعانى من وصم البنات فى المدرسة لها ولسلوكيات أهلها، فالجميع يعرف حقيقة حياتها نظرا للبيئة العشوائية التى يعيشون فيها. البنت تنجح فى المدرسة رغما عن كل ذلك، بل وتملك حلما خاصا تعمل على تحقيقه، رغم كل مقومات الانهيار التى تعيش فيها إلا أنها لا تنهار.

 

ذلك هو الصمود النفسى الذى أصبحت منشغلة به هذه الأيام وأرى أنه حل سحرى لمشكلاتنا فى الوقت الحاضر. لم نعد نملك التحكم فى ضغوطات الحياة اليومية والتى باتت تواجهنا بشكل غرائبى من كل اتجاه، لكننا نملك آليات نفسية للصمود والتى تحتاج للتنمية. أنا مهتمة جدا بتنمية آليات المقاومة النفسية لدى الأطفال بشكل عام والأطفال المعرضين للخطر بشكل خاص.

 

و فى الحقيقة مشروع المقاومة النفسية هو من المشاريع التى أرى أن وزارة التربية والتعليم لابد وأن تتبناها وأن تصمم المناهج بشكل يعلم الأطفال كيف يواجهون ضغوطا وكيف يشكلون حلما وكيف يديرون غضبهم وكيف يعبرون عن مشاعرهم وكيف يضعون أهدافا واقعية ويحققونها.

 

مشروع المقاومة النفسية من المشاريع التى تبنتها وزارة التعليم الأمريكية ولاقت نجاحا كبيرا، وهى من المشاريع التى نحن فى أمس الحاجة إليها الآن.

 

لدى خبرة طويلة فى مشاريع التنمية بالتعاون مع الأطفال وتتبنى هذا المنحى «تنمية المقاومة النفسية أو الصمود النفسى كما يطلق عليه أحيانا»، وعملت فى عدة مشاريع بالقاهرة والمنيا لتنمية الصمود لدى أطفال المدارس وخاصة من البيئات العشوائية والفقيرة, أتذكر إحدى المتحمسات للمشروع من المدرسين والتى حاولت تطبيق ذلك فى مدرستها وأستغلت فرص الحصص الشاغرة لتدريب الأطفال، واكتشفت أن الفصل الذى أقامت فيه هذا المشروع حدثت به طفرة شديدة فى المستوى الدراسى وقلت فيه السلوكيات العدوانية، رغم أنها لم تقم بدراسة علمية ولم تقصد هذا الهدف إلا أن هذه النتيجة تتفق مع نتائج الدراسات العلمية المحكمة.

 

لدى حلم بمشروع قومى تتبناه وزارة التربية والتعليم أو وزارة الثقافة لبناء جيل تنمى داخله آليات المقاومة النفسية بما فيها من مهارات حياة واكتشاف لقدرات إبداعية يمكنها أن تمثل حائط سد أمام أى انحرافات واضطرابات نفسية.

 

عندما كنت أدرس هذه المواد فى بعض المدارس التى قبلت تواجدنا فيها كنت ألمس احتياجا شديدا للأطفال لمعرفة كيف أتعامل مع نفسى، المواد الدراسية مليئة بعشرات المعلومات التى لا تعنيه والتى يحاول حفظها لاجتياز الامتحان، لكن لا أحد يهتم به شخصيا ويعلمه كيف يتعامل مع احتياجاته ويرى مواهبه وقدراته, هناك قصور معرفى أيضا فى هذا الاتجاه، فالدراسات الخاصة بهذا الموضوع تكاد تكون محدودة جدا باللغة العربية، رغم أن الاهتمام بهذا المجال البحثى بدأ منذ السبعينيات فى الغرب، لذا كنت سعيدة جدا عندما علمت باقتراب صدور كتاب: «الصمود النفسى لدى الأطفال» ضمن اصدارات المشروع القومى للترجمة، وهو الكتاب الأكثر أهمية والذى أحيى عليه د. صفاء الأعسر المهتمة بهذا الموضوع والتى قامت بترجمته، فهو من الكتب المهمة فى هذا المجال.

 

وبعيدا عن المجال البحثى، نحن فى أمس الحاجة إلى تطبيق مبادئ الصمود النفسى مع الأطفال، فتلك البنت التى تحدثت عنها فى بداية المقال لديها بذور لهذا الصمود زرعتها فيها معالجتها التى تعمل فى المؤسسة التى تأتى إليها البنت لتمارس أنشطة ايجابية وتنمى مهاراتها، إضافة إلى بعض الظروف الأخرى. فهناك دور مهم تلعبه بعض مؤسسات التنمية غير الحكومية فى مجال الصمود النفسى والتى تعانى من عرقلة حكومية للسماح لها بممارسة أنشطتها فى المدارس.

 

أنا شخصيا كل المدارس التى تعاملت معها لم أوفق فى أخذ أى تصاريح منها بشكل رسمى وكنت ألجأ للمعارف الشخصية لدخول المدرسة. ربما فى ظل اللحظات ثورية يمكننا أن نحلم بوزارة تعليم تضع فى حسبانها الطفل كموضوع نفسى له قدرات ومقومات يجب تنميتها وليس بالونة تتسع للمعلومات فقط.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved