عن مبارك ونظامه!
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 10 فبراير 2020 - 10:30 م
بتوقيت القاهرة
سقط حسنى مبارك بعد 18 يوميا من ثورة 25 يناير، وبقى العمود الفقرى لجهاز دولته كما هو، يناور هنا وهناك، ويعقد تحالفات مع هذا الطرف أو ذاك، يهادن الثورة والثوار فى بعض المواقف، ويضرب بيد من حديد فى مواقف أخرى، فى حين غابت النقاشات الجادة بين ملايين المتظاهرين للاستقرار حول مفهوم موحد يعبر بشكل صادق عن «دولة الثورة» عقب الشهور التالية لاندلاعها، وأصبحت قاصرة على قوى ونخب سياسية محددة تبحث عن هذه «الدولة» فى دوائر ضيقة، إلا أنها لم تستطع أيضا أن تترجم شعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية إلى سياسات وقوانين ونظم ومؤسسات بالشكل الذى يتمكن من الاطاحة بدولة مبارك من جذورها.
قد لا يكون المناخ السياسى العام فى مصر الآن مواتيا لطرح أسباب هذا الإخفاق، ولا لبحث انتصارات وانكسارت ثورة 25 يناير العظيمة للنقاش العام بالقدر الكافى من الحيدة والحرية، أو لكشف حقيقة المواقف التى اتخذتها الأطراف الفاعلة خلال مسيرة الثورة، والصفقات المشبوهة التى أبرمتها قوى «ثورية» و«محافظة» داخل الغرف المغلقة، فكل هذه الأمور أصبحت الآن كالمحرمات لا يمكن لأحد الاقتراب منها بسهولة لكشف أسرارها، وإدانة أطرافها، ومحاسبتهم على جرائمهم فى حق هذه الثورة!
لكن ما يمكن قوله فى ظل الظروف الراهنة هو أن أهم أسباب انتكاسة ثورة يناير أنها لم تكن تمتلك برنامجا محددا وموحدا لبناء نظام سياسى جديد، إضافة إلى وقوع غالبية المشاركين فيها فى وهم كبير، وهو أن نجاحهم فى إسقاط مبارك يعنى بالتبعية هدم أوكار نظامه، وأنهم قضوا إلى الأبد على أحفاد الفراعنة من الرؤساء الملهمين الذين اكتسبوا قداسة وهمية، وامتلكوا سلطات أسطورية لا يملكها إلا نصف إله، وأنهم ودعوا إلى غير رجعة تراثا طويلا من القمع والتهميش.
بحكم تركيبة القوى التى شاركت فى الثورة، والتى تراوحت من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مرورا بملايين الغاضبين الذين لم يكن لهم أى انتماءات سياسية على الاطلاق، فإنها لم تمتلك فلسفة سياسية أو اجتماعية واضحة يتفقون جميعا عليها، فهى مثلا لم تكن فقط ثورة العمال الذين يريدون تغييرات اشتراكية راديكالية فى بنية الحكم، ولم تكن ثورة الطبقة الوسطى وحدها التى تريد أن تمسك العصا من منتصفها وتسترد المكتسبات التى حققها لها جمال عبدالناصر، ولم تكن كذلك ثورة الفقراء الذين كانوا يريدون أن يروا «حدا أدنى» من العدالة فى توزيع السلطة والثروة، ولم تكن أيضا ثورة الفرق الإسلامية التى تريد استدعاء عصور النهضة فى تاريخنا الإسلامى وإعادة دولة الخلافة إلى الحياة مرة أخرى.
كان كل طرف من هذه القوى ينظر إلى هذه الشعارات الفضفاضة سياسيا من مواقعه ومصالحه الطبقية الخاصة، التيارات الإسلامية التى كان كل همها آنذاك الوصول للحكم والبقاء فى السلطة لخمسة قرون قادمة كما قالت بعض قادتهم، فى حين كانت القوى الليبرالية تراهن على بناء دولة السوق الحرة التى تسمح بحريات سياسية واسعة دون أن يروا أهمية احتياج بناء هذه الدولة إلى ثروات وموارد وأسواق لا تتوافر لنا، أما التيارات اليسارية فقد كانت فصائل منها تخشى من مد جماهيرى يطيح بها لأنه أكبر من قدراتها على استيعابه، فى حين كانت فصائل أخرى قليلة العدد تقبض وحدها على جمر الثورة، لكنها لم تستطع أن تفرض مواقفها على حركة الأحداث الساخنة آنذاك.
دروس ثورة يناير كثيرة ومتعددة وربما ستحتاج إلى مزيد من الوقت لكى يتم استيعابها فى العقل السياسى المصرى، وساعتها سوف تتغير بالتأكيد العديد من موازين القوى، لنرى دولة العيش والحرية والعدالة الاجتماعية بالشكل الذى يستحقه وناضل من أجله ملايين المصريين.