دروس من كورونا
عمرو هاشم ربيع
آخر تحديث:
الخميس 10 فبراير 2022 - 8:50 م
بتوقيت القاهرة
بعد عامين كاملين من الصمود، تمت الإصابة بكورونا. أعجز المرض الملقح وغير الملقح، ولم يعد من بد إلا التسليم بقضاء الله.
منذ عامين كانت الوقاية كما فعل الكثيرون ببعض العقاقير، والاهتمام بتناول الخضراوات، ولكن دون المواظبة على ارتداء قناع الوجه (الكمامة). لكن كل شىء وله نهاية أمام هذا الفيروس الذى ما برح يرعى فى الأجساد، فيصيب ما يصيب، فيشفى البعض، ويتمكن من البعض الآخر من ذوى الأجساد الوهنة والنخرة العظام فيقتل ما يقتل.
بين المشاركة فى عزاء أخير يخص أحد الأصدقاء، والمشاركة فى فعاليات جماعية، تمت الإصابة، وبقى الاحتساب لله على ما أعطى والصبر على البلاء.
دروس عديدة واجهتنا أثناء المرض، الذى لا زالت تداعياته قائمة حتى اليوم.
أولا: تباين الأعراض من شخص إلى آخر بشكل غريب إلى الدرجة التى تحسب أن لكل مريض خصوصية عن الآخر، ولا يوجد نمط واحد أو شكوى محددة معروفة، فهذا مريض سعال، وآخر ارتفاع حرارة الجسم، وثالث احتقان الحلق، ورابع تكسير عظام، وخامس وهن البدن والعضلات، وسادس رشح، وسابع فقدان الشم والتذوق، وثامن صداع فى الرأس... إلخ. وبالطبع قد يجمع مريض بين أكثر من عرض من تلك الأعراض بأشكال مختلفة. كل ما سبق ونتيجة اللغط وعدم الفهم، يجعل المريض والطبيب لا يفهم أأنت أمام كوفيد 19 أم أوميكرون أم سارس أو أنفلونزا طيور أو خنازير أو أنفلونزا موسمية.
ثانيًا: كثرة الفتاوى والوصايا من كل حدب وصوب، إلى درجة الإرباك. بعض تلك الوصايا يريدك التركيز على الطب العشبى والطبيعى، وبعضها يركز على الطب الدوائى، والذى يبدأ بالحبوب وينتهى بتعليق المحاليل مرورًا بالحقن. المهم أنه فى كل واحد من الاثنين تجد عشرات الوصايا والمقترحات، وكلها من أصدقاء وأحبة لا يرغبوا إلا فى السلامة. الكل يعبر عن قناعاته وقناعة من عولجوا من حوله. والنتيجة أن عليك أن تبتكر توليفة تخصك بين هذا وذاك، ولا تصد باب النصيحة أمام كل من يتحدث، فتوصيه بالدعاء وينتهى الأمر.
ثالثًا: مشكلة استسلام المريض للمرض، وتعنى الاكتئاب، والخروج من دائرة الأمل. هنا لا ينظر المريض إلا لكل الحالات السلبية من حوله، والتى انتهت إلى الموت. بالطبع الاكتئاب هو أكثر من الفيروس نفسه، وهو يصيب الإنسان من طول مدة العلاج دون إحساس بالتحسن. ويزيد الاكتئاب كلما تذكر المريض من حوله من أحداث وخطب جلل، لا سيما وقد رأينا مؤخرًا شباب كثر فى عمر الزهور غيبهم الموت دون سابق إنذار. المشكلة أيضًا نفسية، لأن فقد الأمل فى الشفاء يجعل مناعة المريض تنهار بسرعة وينتهى الأمر فى أيام قليلة مهما كان العلاج.
رابعًا: مشكلة النفقات، وتلك المشكلة يعانى منها بالتأكيد غير القادرين على تحمل تكلفة العلاج، وهؤلاء كثر، وحالهم يدمى القلوب والأكباد. فمن خلال الرغبة فى الشفاء على المريض أن يقوم بسلسلة من الفحوصات والتحاليل والإشعات وغيرها، وكلها أمور مكلفة، حتى فى ظل وجود صناديق التكافل لدى البعض.
خامسًا: دخول المستشفى هو واحد من أكثر الأمور التى يتثاقل المريض فى قبولها، وهى أيضًا أمر غير محبب على الطاقم الطبى الذى فاض الكيل وطفح لديه من كثرة زوار المستشفيات. قد تستجيب مضطرًا لتجرع الكثير من الأدوية بالمنزل بدلا من دخول المستشفى، بسبب ما تسمع عنه بالمستشفيات، والنتيجة على أى حال واحدة فى حالة لو أصاب المريض الاكتئاب.
سادسًا: وجود أمراض مرفقة إلى جانب الفيروس هنا تكون مشكلة المريض قد استحكمت حلقاتها شدة ووطأة. فمريض كورونا، يضعف لو كان كبير السن، أو كان يعانى أصلا من مرض كالكبد أو القلب أو الكلى. التهابات الرئة التى تمثل أهم مكان يهاجم فيه الفيروس المريض، تخرج لتصيب الجزء الضعيف من الجسم، والذى يعانى منه المريض قبل الإصابة.
هذه هى بعض من الدروس التى تعرضت لها فى تلك المحنة، والتى لم أجد فيها ما ينفع سوى التقوى، فمصير المريض وكل العباد معلق بين يدى المولى، والثقة فى الله والتداوى بما ينفع سواء بالصدقات أو بالعلاج والغذاء السليم وحسن البيئة المحيطة من تهوية وتجديد الطاقات السلبية، كلها أمور مهمة، وعلى الله السلامة والتعافى للجميع. لكن بالمقابل على الدولة التى تعلم جيدًا أن مرضى المنازل آلاف أضعاف مرضى المستشفيات، ومن ثم عليها أن تتخذ إجراءات كفيلة بالمواجهة. أماكن التعازى والمهرجانات بجميع أنواعها يتحتم إغلاقها. ارتداء قناعات الوجه ملزم مهما كان، عدم السماح للمرضى بالنزول لأعمالهم إلا بعد التعافى التام. والخلاصة أن حياة الإنسان أهم بكثير من دوران مؤقت للاقتصاد.