أخطاء حسابات زيلينسكي والغرب

عمرو هاشم ربيع
عمرو هاشم ربيع

آخر تحديث: الخميس 10 مارس 2022 - 7:45 م بتوقيت القاهرة

الناظر إلى الصراع الروسى الأوكرانى وجولته الأخيرة فى حرب اليوم، يجد أن هناك سلسلة من الأخطاء وسوء التقدير الذى وقع فيه الجانب المعادى لروسيا. 

بداية كان سوء تقدير من الرئيس الأوكرانى زيلينسكى من تصوره أن الغرب سيتدخل تحت راية الناتو فى الصراع مع روسيا، وهو الأمر الذى اتضح فى صرخاته اليومية لقادة الناتو، واتهامه لهم بأنهم خذلوه وتخلوا عنه. وكان أهم ما اعتبر سوء تقدير منه، هو تصوره بأن الغرب إن لم يتدخل مباشرة فى الصراع، فإن عليه أن يفرض منطقة حظر جوى فوق أوكرانيا. وقد كان هناك رفض طبيعى من الناتو لذلك، لما يشكله هذا الأمر من توريط للناتو فى الحرب. إضافة إلى تحفظ أمريكا على اقتراح بولندا بمد أوكرانيا ببعض ما لديها من طائرات روسية، عبر ألمانيا، وهو ما رفضته واشنطن كلية، خاصة بعد أن أعلنت موسكو أن أى إمدادات من هذا النوع سيعد مشاركة من تلك البلدان فى الحرب.

من ناحية ثانية، فإن ما صدر عن الغرب من عقوبات وصفت من قبل القائمين عليها أنها ستركع روسيا قريبًا، وأنها ستكون الأكبر فى التاريخ الحديث، هذا الأمر يتضح يومًا بعد يوم أنه مجرد عقوبات على الغير والنفس معًا، ما يجعل الاقتصاد العالمى يدخل إذا ما استمرت الأزمة، فى مأزق كبير، وربما تتضرر منه عديد البلدان النامية التى لا ناقة لها ولا جمل فى هذا الصراع. 

واحد من أبرز ملامح ورطة العقوبات التى ترتد إلى نحور من أصدرها، هى إخراج روسيا من نظام سويفت للمعاملات والتحويلات المالية، وحظر الطيران الروسى. هناك أيضًا العقوبات الكبيرة من قبل الشركات الغربية المختلفة والعاملة فى روسيا. وعامة فقد أخرج بوتين الثلاثاء الماضى لسانه للمقاطعين بإعلانه حظر التعامل التجارى مع المبادرين بالمقاطعة، وكذلك حديثه عن أن الشركات منسحبة الاستثمارات من روسيا مثل كوكاكولا وشل وأكسون موبيل وماكدونالدز لن تعود بسهولة للعمل فى السوق الروسى كما حدث وخرجت ثم عادت طواعية بعد الأزمة بين روسيا وأوكرانيا عام 2014. أما موضوع النفط والغاز فتبدو المشكلة أكبر وأعقد بكثير. 

ففى النفط، يشكل الارتفاع الجنونى للأسعار الثلاثاء الماضى إلى 130 دولارا للبرميل، كارثة لكل البلدان المستهلكة للطاقة. فالخسارة الروسية من قطع واردات النفط من روسيا للكثير من الدول، ربما يعوضه ارتفاع الأسعار، والذى تتوقع عدة مصادر أن يقفز إلى أكثر من 200 دولار للبرميل قريبًا. جدير بالذكر أن سعر الجالون من البنزين وصل أمس الأول فى الولايات المتحدة لأكثر من 5 دولارات، أى ما يعادل 1.3 دولار للتر. يحدث كل ذلك رغم أن روسيا التى تنتج 11 مليون برميل يوميًا، لن تتأثر كثيرًا بصادرات النفط الروسى إلى الولايات المتحدة، إذ صدرت روسيا لها عام 2021 نحو 700 ألف برميل فقط، بمعدل 8% من واردات النفط الأمريكية التى يتركز نصفها من كندا. 

أما الغاز فتبدو المشكلة أكبر بكثير، صحيح أن الولايات المتحدة لا تستورد الغاز الروسى، لأنها ثانى أكبر مصدر له بعد روسيا وقبل قطر، إلا أن المشكلة الأكبر فى الدول الأوروبية، التى لم تتفق على مقاطعة الغاز الروسى، بل إن بعضها يتمسك به بشدة. هنا يشار إلى أن ألمانيا تستورد 16% من الغاز الروسى تليها إيطاليا وفرنسا وهولندا وبريطانيا وبولندا التى تستورد منه على التوالى 12% و8% و5% و5% و4% و4%. وتستورد بلدان الاتحاد الأوروبى إجمالا 45% من احتياجاتها من الغاز الروسى. إضافة إلى ذلك، فإن أسواق روسيا للغاز والنفط كبيرة، خاصة مع عقود التصدير الضخمة مع الصين وباكستان وغيرها. وبالمقابل لن تستطيع قطر (حسب وزير نفطها) أن تعوض بلدان أوروبا من أية مقاطعة للغاز، وهو ما ينطبق من باب أولى على الجزائر التى راحت إيطاليا منفردة تتفاوض معها.

ورغم أن العقوبات أنهكت اليوم الروبل الروسى، الذى انخفضت قوته الشرائية للنصف خلال أسبوعين فقط، وهو أمر خطير، إلا أن رهان زيلينسكى على الاتحاد الأوروبى للانضمام له لم ولن يتحقق قبل أشهر وربما سنوات، وذلك حتى تستوفى شروط معينة. غاية ما يمكن فعله، دعمها بالمتطوعين، واستقبال اللاجئين، وهو أمر يبدو سيناريو متكررا لمنطقتنا؛ حيث بدا هؤلاء ومعظمهم دول مؤيدة لإسرائيل يذوقوا مرارة اللجوء والطرد من الأوطان، وإن كان هذا موضوع آخر يستحق حديثا جديدا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved