النقاش حول فيلم النبى نوح .. وضرورات الإصلاح الدينى!

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الخميس 10 أبريل 2014 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

إذا كانت السياسة قد ماتت وعملية إعادة إنتاج الدولة الأمنية تحدث بوتائر متسارعة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة توظف لدفع قطاعات شعبية واسعة لقبول المقايضة السلطوية «الخبز والأمن فى مقابل الحرية»، وإذا كانت أدوات تحجيم الضرر المترتب على موت السياسة ومقاومة ممارسات الدولة الأمنية التى تهجر المواطن من المساحة العامة والنجاح فى الاقتراب اليومى من هموم الناس الاقتصادية والاجتماعية والمزج بينها وبين الحقوق والحريات تقتضى منا جميعا العمل خارج المساحات التقليدية للسياسة، يصبح من الضرورى أيضا أن تشتبك الأصوات والقوى الديمقراطية مع القضايا الفكرية والثقافية التى مازالت تحول دون تبلور تيار شعبى عام يتبنى الحقوق والحريات والتنمية المستدامة وسيادة القانون وتداول السلطة كما يدافع عن المساواة والتسامح والتعددية وقبول الاختلاف فى الرأى.

ومن بين القضايا الفكرية والثقافية التى ينبغى الاهتمام المنظم بها، تحتل مسألة الإصلاح الدينى مرتبة متقدمة. ودون استدعاء للسياقات التاريخية لتقدم الغرب الأوروبى منذ القرن السادس عشر والتى ارتبطت بتحرير العقل والمعرفة والعلم والرأى من سيطرة المؤسسات الدينية وتجريد هذه المؤسسات من ادعاء احتكار الحقيقة المطلقة ومن سلطة فرضها على المواطن والمجتمع وفتح أبوابها أمام قراءات متسامحة وتعددية للنصوص وللتقاليد الدينية، أرى أن للإصلاح الدينى فى واقعنا المصرى الراهن مضامين محددة هى:

١ــ تحرير النصوص الدينية من الفكر المتشدد والقراءات المتطرفة التى تختزل الدين فى ثنائيات الصواب والخطأ، وتعمد إلى نزع المصداقية والشرعية عن المختلفين معها عبر أدوات التكفير.

٢ــ تحرير النصوص الدينية والمؤسسات الدينية الرسمية والجماعات الدينية غير الرسمية (الأهلية) من الفهم الشمولى وغير المتسامح الذى يصطنع تناقضا بين الدين من جهة والعقل والمعرفة والعلم من جهة أخرى، كما يزج بالدين إلى ساحات الفكر والثقافة على نحو يقصى التنوع فى الرأى ويقضى على التعددية عبر إخضاعها لثنائيات الصواب والخطأ السطحية. والكثير من هذا نلمحه اليوم فى النقاش الدائر بشأن عرض أو حجب فيلم النبى نوح.

٣ ــ تحرير المؤسسات الدينية الرسمية والجماعات الدينية غير الرسمية من ادعاء احتكار الحقيقة المطلقة إزاء الفرد والمجتمع، ودفعها إلى التمييز الضرورى بين الثابت والمتغير فى النصوص والقراءات الدينية، وبين قدسية العبادات وعمومية القيم والمبادئ الدينية المرتبطة بالمعاملات، وتمكينها أيضا من التمييز بين وظيفتها الرئيسية المتمثلة فى شرح الدين للناس وتشجيعهم على الالتزام الطوعى به وبين خطأ الاعتراض على تبلور مساحات لحرية المعتقد وللفكر الحر وللتعبير الحر عن الفكر والرأى وللإنتاج الثقافى والفنى والعلمى الحر والسعى إلى قمعها والقضاء عليها.

٤ ــ تحرير المؤسسات الدينية الرسمية والجماعات الدينية غير الرسمية من هيمنة النزوع إلى الزج بالدينى إلى المساحات السياسية، والإسهام الكارثى فى توظيف الرمزية الدينية والخطاب الدينى ودور العبادة لخدمة مصالح مرتبطة بصراعات الحكم والسلطة والنفوذ على نحو يضر بالدين ويفسد السياسة (تسييس الدين وتديين السياسة).

يمثل الإصلاح الدينى خطوة ضرورية كبرى على مسار بناء بيئة فكرية وثقافية ومجتمعية مؤيدة للديمقراطية وللحقوق وللحريات وللتعددية، وبدونه سيتواصل تعثرنا مع فاشيات مختلفة يجمعها التوظيف الزائف للدين لاغتيال العقل والمعرفة والعلم وبالقطع الحرية.

غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved