غضب الأقباط.. أسباب وتوقعات
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 10 أبريل 2017 - 10:05 م
بتوقيت القاهرة
لم يكن مدير أمن محافظة الغربية قياديا أو حتى عضوا بسيطا بتنظيم داعش، ولم يكن يرتدى تحت ملابسه حزاما ناسفا فشل فى تفجيره، حتى يتعرض لهذا الاعتداء بالضرب المبرح من بعض الأقباط داخل كنيسة مار جرجس بطنطا، والذى كان يمكن أن يودى بحياته، ولم يكن المحافظ أيضا منتميا للقاعدة مثلا ليهرول هاربا من الكنيسة حتى لا يتعرض لنفس المصير، ما حدث أن معاناة الأقباط كانت أقوى من قدرتهم على احتمال ما يرون انه تقاعس من الحكومة عن حمايتهم داخل مقار عبادتهم، فانفجر بركان غضبهم فى وجه ممثلى هذه الحكومة بهذه الطريقة العفوية والفوضوية.
إشعال فتيل الغضب القبطى ضد الدولة، هو الهدف الحقيقى والوحيد وراء إقدام مجرمى تنظيم «داعش» على تفجير الكنائس فى مصر، وتفسيراتهم الفقهية تقدم لهم كل المبررات الدينية المشوهة لشن الحرب على الأقباط باعتبارهم كفارا، فالتنظيم يدرك جيدا أن مثل هذه التفجيرات مهما كان عددها ومداها لن تسفر مثلا عن إبادة أكثر من 10 ملايين قبطى، ولا حتى عن تهجيرهم خارج مصر، ولا بالطبع ستساعد على دخولهم الإسلام، كل ما يستهدفه التنظيم هو إحراج النظام المصرى، ودفعه لاتخاذ اجراءات غير ديمقراطية تنتقص من شعبيته، التى فقد جزءا كبيرا منها على خلفية الإجراءات الاقتصادية الصعبة التى يكتوى بنيرانها ملايين المصريين.
الخطاب الحكومى يفسر هجمات داعش الإرهابية على أنها جزء من مؤامرة غامضة، تنسج خيوطها دول معادية لمصر، تستهدف تحويلنا إلى سوريا والعراق، دون أن توضح لنا الحكومة ما هى هذه الدول بالضبط؟ وكيف تتآمر علينا؟ ولماذا تفعل ذلك؟ ولماذا لا تكشف هذه الدول وهذه المؤامرات أمام الجميع؟ وهل هناك دور خفى للإخوان المسلمين فى هذه المؤامرة لا تريد الحكومة كشفه؟.. فى نفس الوقت الذى يتجاهل فيه هذا الخطاب الحكومى أى تقصير فى توفير الحماية الكاملة للأقباط خلال احتفالاتهم الدينية، والتغاضى عن حصولهم على حقوقهم المدنية فى الكثير من المجالات.
ما أسقطه هذا الخطاب الحكومى من حساباته أيضا، هو حقنا فى أن نفهم علاقة لجوئه لفرض الطوارئ، ونزول الجيش للشوارع، وتشكيل مجلس قومى أعلى لمكافحة الإرهاب، بمواجهة هذه المؤامرة الدولية أو الإقليمية علينا، وهل ستنجح هذه الإجراءات فى القضاء على هذه المؤامرة؟ وكيف؟ وما هى الضمانات التى تمنع مجرمى داعش من محاولة تكرار عملياتهم الإرهابية فى مصر؟
ما يجب أن تفعله السلطة فى مصر هو أن تبدأ فى مواجهة ملف الإرهاب من نقطة البداية الصحيحة والوحيدة، وهى الاعتراف أولا بأن هناك قصورا أمنيا كبيرا فى أداء وزراة الداخلية، وأن ضباطنا ينقصهم التدريب الحديث والكفاءة والمهنية، وعدم احترام مفاهيم حقوق الإنسان بالشكل الكافى.
كما يجب أن تعترف، ثانيا، بأن أسلوب حياتنا كله ــ وعلى رأسه نظامنا السياسى ــ يبتعد عن دولة القانون، وأن لجوءنا مثلا لقعدات العرب والحلول العرفية لقضايانا الطائفية قد ثبت فشله الذريع، وأن احترام القانون هو تنفيذه على الجميع، لا مجرد التشدق به فى الخطب الرسمية.
أما، ثالثا، فإن على السلطة أن تعترف بأن هناك تبسيطا مخلا فى الدعوات المطالبة بتجديد الخطاب الدينى، فهذا الخطاب لن يكون له أى جدوى إلا فى مجتمع حر وتحت رعاية نظام سياسى ديمقراطى، يوفر المناخ المواتى لنشر الثقافة وزيادة الوعى، ويؤمن بالتعددية والعلم واحترام حقوق وحريات الإنسان.
أنا شخصيا لا أتوقع تغييرات كبيرة فى إستراتيجية الحكومة فى مواجهة الإرهاب، وإن كنت أتمنى أن تعى جيدا دروس يوم الأحد الدامى، وتفتح نقاشا مجتمعيا موسعا يشارك فيه المعارضون قبل المؤيدين، لإقرار سياسات جديدة تعالج همومنا السياسية والاقتصادية والطائفية على ارضية ديمقراطية حقيقية.