إسرائيل تبحث بالنار.. عن مكان في «الاتفاق السعودي ــ الإيراني»

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الإثنين 10 أبريل 2023 - 6:55 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب، تناول فيه أن أهداف إسرائيل من زيادة الضغط على الأراضى الفلسطينية، وتصعيد القصف على أهداف فى سوريا، هى عرقلة أجواء المصالحة والصياغة الصينية للشرق الأوسط.. نعرض من المقال ما يلى.

إذا رتّبنا تسلسل الأحداث أو تزامنها يتضح لنا الكثير من معالم المشهد الذى يرتسم أمامنا اليوم. بينما كان رئيس مجلس النواب الأمريكى كيفن ماكارثى يُرحّب بالرئيسة التايوانية تساى إنجــوين فى مكتبة رونالد ريجان فى مدينة سيمى فالى بولاية كاليفورنيا، كان وزير الخارجية الصينى تشين جانج ــ مع فارق التوقيت الزمنى ــ يجمع فى بكين وزيرى الخارجية السعودى الأمير فيصل بن فرحان والإيرانى حسين أمير عبداللهيان، لوضع اتفاق التطبيع بين الرياض وطهران الذى أنجز برعاية صينية الشهر الماضى، موضع التطبيق.

وبقدر ما عزّز الاتفاق مناخات المصالحة فى المنطقة وطى صفحة من العداوات تعود إلى أكثر من 12 عاما، فإنه حصّن دمشق فى مسار التطبيع مع تركيا. وإذا كان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان هو نفسه القائل أن «لا ضغينة دائمة فى السياسة»، فإن هذه القاعدة تنطبق أيضا على سوريا والدول العربية.

إذا جمعنا جزءا آخر من الصورة، نضع يدنا على بعض التفسير للتوتر الإسرائيلى المتصاعد. منذ أن وصل بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الوزراء للمرة السادسة فى ديسمبر الماضى، حدّد هدفين رئيسيين لحكومته: التطبيع مع السعودية ومنع إيران من الحصول على قنبلة نووية. قارب نتنياهو الموضوع الفلسطينى بوصفه ملفا يحين أوانه بعد أن تنتهى إسرائيل من تطبيع العلاقات مع السعودية، وليس العكس، أى إنه جعل القضية الفلسطينية مسألة لاحقة للتطبيع.

أتى الاتفاق السعودى ــ الإيرانى بمثابة مفاجأة غير سارة لنتنياهو، وكذلك مفاجأة «مزعجة» للولايات المتحدة. صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية كشفت أن رئيس المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز زار الرياض سرا، قبل أيام قليلة، واجتمع بولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان وقادة أمنيين وأبلغهم أن الولايات المتحدة «تشعر بالصدمة» من انفتاح الرياض على كل من إيران وسوريا.

الانفتاح الإيرانى على دول الخليج قلب الطاولة فى وجه رئيس الوزراء الإسرائيلى. طهران سبقت تل أبيب إلى الرياض ودمشق على الطريق. من كان يحسب أن الحرب الباردة الجديدة بين أمريكا والصين، ستحط رحالها فى الشرق الأوسط فى توقيت سيئ لنتنياهو. ومن يُراجع شريط الأخبار فى معظم الأقنية التلفزيونية العالمية فى الساعات الأخيرة، يتبين له أن هناك من «كبس» الزر الصاروخى فى آن معا، من لبنان وسوريا والأردن، ناهيك بغزة، فضلا عما يُسجَل من مواجهات يومية فى المسجد الأقصى فى القدس.

المظلة الصينية للترتيبات الإقليمية فى الشرق الأوسط، واجهت اختبار التصعيد الأوسع بين القوات الأمريكية المنتشرة فى سوريا وفصائل موالية لإيران الشهر الماضى. لكن الرئيس الأمريكى جو بايدن تحدث عن «ضربات دقيقة»، ما يعنى ضمنيا أنه لا يريد مواجهة متدحرجة أو واسعة مع طهران، فى وقت لم ينقطع خيط الأمل بإمكان تجديد خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، والقنوات الخلفية من إقليمية وأوروبية ما تزال شغّالة فى هذا الاتجاه.

أما الاختبار الأكبر للاتفاق فهو التصعيد الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية. وحتى المعركة التى يخوضها الائتلاف الحاكم مع المحكمة العليا لتقزيم صلاحياتها، له علاقة مباشرة بما يُبيّته نتنياهو وإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش من مخطط لضم الضفة الغربية، أكثر مما يُثار من أهداف معلنة تتعلق بتطبيق إيديولوجية بن غفير وسموتريتش فى القضايا المحلية كالفصل بين الجنسين فى وسائل المواصلات أو التضييق على المثليين. الأمر يتعلق بمسألة أبعد، وهى منع المحكمة من التدخل فى قرارات تتخذها الحكومة سواء بترحيل فلسطينيين أو بتنفيذ حكم الإعدام بأسرى فلسطينيين أو بضم الضفة الغربية. خريطة سموتريتش ضمّت الأردن أيضا إلى إسرائيل. صحيح أن المحكمة العليا لم تنصر فى الماضى دعاوى رفعها الفلسطينيون، لكن المسألة هنا تعنى الإسرائيليين أنفسهم، بين من يريد إسرائيل دولة «ديموقراطية» وأن هذا لا يتحقق إذا ما ضُمت الضفة الغربية، وآخرون يريدون الضم بأى ثمن.

مسار آخر اتخذه نتنياهو لاختبار الاتفاق السعودى الإيرانى، عبر تكثيف الغارات الجوية على سوريا وقصف مواقع يوجد فيها عناصر من الحرس الثورى. كانت محاولة إسرائيلية مكشوفة لإرغام طهران على رد يُظهر إيران بأنها غير جدية فى احترام اتفاق التطبيع مع السعودية. زيادة الضغط فى الأراضى الفلسطينية ولا سيما التوتر فى المسجد الأقصى وتصعيد القصف على أهداف فى سوريا، هما الرافعتان اللتان استخدمهما نتنياهو كى يعرقل مناخات المصالحة والصياغة الصينية للشرق الأوسط. لكن ما لم يدخل فى حساباته أن تصعيده «المضبوط» غير آمن وأن جبهات أخرى قد تنفتح بما فيها لبنان، كما تبين بعد إطلاق الصواريخ من جنوب نهر الليطانى اللبنانى على الجليل الأعلى يوم الخميس الماضى.

تبدو إسرائيل كمن يبحث عن مكان فى «الاتفاق السعودى الإيرانى»، وتسعى إلى البعث برسائل نارية بأن الصياغة الجديدة للشرق الأوسط، لا يمكن أن تبقى هى خارج سياقاتها. لكن هذه السياسة محفوفة بالمخاطر وتجعل المنطقة برمتها برميل بارود، قابلا للاشتعال فى أى لحظة.

النص الأصلي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved