إسرائيل وإيران : حرب أم ردع نووى متبادل؟
سعد محيو
آخر تحديث:
الأحد 10 مايو 2009 - 5:32 م
بتوقيت القاهرة
اللغز الكبير لايزال كبيرا.. كيف ستتعاطى إسرائيل مع الملف النووى الإيرانى؟ هل ستقوم بغارات جوية كاسحة على المنشآت النووية الإيرانية، كما تهدد منذ سنوات عدة؟ وإذا لم تفعل بفعل عوامل عدة، هل ستقبل فى خاتمة المطاف التعايش مع إيران نووية فى إطار صيغة ردع نووى متبادل؟
لنقل أولا أن تقرير لجنة الطاقة الذرية الدولية الأخير، الذى أكد أن إيران «عبرت العتبة التكنولوجية النووية» وباتت تمتلك ألف طن من اليورانيوم المخصب الكافى لصنع قنبلة نووية، كانت بمثابة هِبَة مفاجِئَة من السماء سقطت مباشرة فى حضن إسرائيل.
فهذا التقرير يستخدم الآن من جانب اللوبى اليهودى القوى فى الولايات المتحدة للضغط على إدارة أوباما، ليس لتغيير وجهة نظرها فى الحوار مع إيران (فهذا بات أمرا صعبا) بل لتغيير وجهة سير هذا الحوار فى مجالين اثنين:
الأول، وضع شروط مسبقة على المفاوضات، فى مقدمتها ضرورة وقف إيران لعملية تخصيب اليوارنيوم، وتمكين المراقبين الدوليين التابعين لوكالة الطاقة الذرية من التحقق والتحرى من التنفيذ بدقة.
والثانى، وضع سقف زمنى محدد لهذا الحوار لا يتعدى بضعة أشهر، لمنع طهران من مواصلة لعبتها المفضلة فى كسب الوقت.
بيد أن هذا لن يكون كل ما فى الجعبة الإسرائيلية. علاوة على ذلك هناك على ما يبدو «خطط علانية» لمواكبة الحوار الإيرانى ـ الأمريكى بما يكفل فى النهاية نسفه أو إفشاله، تتراوح بين استئناف الحروب بالوكالة بين تل أبيب وطهران فى المشرق العربى، وبين احتمال قيام الموساد بعمل إرهابى كبير ضد أمريكا وإلصاق التهمة بإيران أو حلفائها العرب.
الخيار الأول، أكده قبل أسبوعين وزير الدفاع الإسرائيلى باراك، الذى ألمح فى محاضرة أمام كبار قادة الجيش الإسرائيلى إلى أن على إسرائيل مواكبة الحوار الأمريكى ـ الإيرانى بالتركيز على جبهة حزب الله وربما أيضا سوريا. كما أكده وزير البحرية الإسرائيلية الجنرال ماروم، الذى نادرا ما يدلى بتصريحات، حين قال: «إن محور الشر الذى يتكوّن من إيران وسوريا وحزب الله وحماس، سيتطلب من إسرائيل شن حملة ضده تُستخدم فيها أفضل جهودنا وإمكاناتنا».
وما طبيعة هذه الحملة؟
«هاآرتس» أجابت أنه يتعلق بنقل الاهتمام الإسرائيلى بالتدريج نحو الشرق والشمال، الأمر الذى يشى بإمكانية إعادة فتح الجبهة مع حزب الله وحتى ربما أيضا مع سوريا، على حد قولها. هذا عن الخيار الأول.
أما الخيار الثانى، أى شن عمل إرهابى إسرائيلى، فهو سيكون واردا فى كل آن حين نتذكر أن الدولة العبرية لم تتوان عن تدمير السفارتين الأمريكية والبريطانية فى القاهرة خلال الخمسينيات لمنع أى تقارب بين مصر الناصرية والولايات المتحدة، وحين نسفت سفينة التجسس الأمريكية ليبرتى إبان حرب 1967 لتوريط واشنطن. وهى قد لا تتوانى الآن عن القيام بعمل أمنى كبير سواء فى الداخل الأمريكى أو فى مياه الخليج ضد المصالح الأمريكية، مع ترك بعض «البصمات» التى تثبت تورط إيران.
كما هو واضح، كل الخيارات السلبية الإسرائيلية مطروحة على جدول أعمال الاحتمالات القوية؛ وهى احتمالات ازدادت قوة بعد تكليف نتنياهو تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، حيث أعلن هذا الأخير فى أول تصريح له بعد التكليف بأن إيران «هى الخطر الوجودى الأول على إسرائيل». وبالطبع، حين يكون الخطر وجوديا، لا يكون ثمة بديل سوى شن «الحروب الوجودية». وهذا بالتحديد ما يبدو أن إسرائيل استعدت له حتى قبل صدور تقرير لجنة الطاقة الذرية الدولية، «الوجودى» بطبيعته هو الآخر!
والأرجح أن نتنياهو لن يفعل خلال زيارته المقبلة إلى واشنطن سوى ذلك: أى الحث على الحرب، مع إيران فيما هو يرفع ألوية السلام وراياته عبر الادعاء بأنه يريد سلاما بشروط جديدة فى الشرق الأوسط.
الهدف الثانى (أى ادعاء السلام) قد يتحقق. فإدارة أوباما، وعلى رغم حماستها المشبوبة المؤيدة لخيار الدولتين، تعلم قبل غيرها أن هذا الحل لن يكون واردا لا الآن ولا غدا ولا بعد غد. ولذا فهى ستُقدم على الأرجح على ما سيُقدم عليه نتنياهو: مجرد التبشير بالسلام، ربما فى حياة أخرى!
لكن، ماذا عن الهدف الأول، أى ضرب إيران؟
هنا، قد تبدو الصورة مشوشة نوعا ما، وقد تبقى كذلك إلا إذا قررت الدولة العبرية ركوب ظهر النمر وشن هجوم مفاجىء على المفاعلات النووية الإيرانية بهدف توريط الولايات المتحدة فى حرب إقليمية شاملة.
ماعدا هذا الخيار، تبدو الأمور معقدة بالنسبة إلى تل أبيب.
لماذا؟
ليس فقط لأن إدارة أوباما تنوى تجرّع كأس الحوار مع إيران حتى النهاية، أو على الأقل حتى نهاية هذا العام، بل لأمرين آخرين لا يقلان أهمية:
الأول، هو أن أمريكا لن تكون البتة هذه الأيام فى وارد فتح جبهة ضخمة كجبهة إيران، فيما لا تزال تلعق جروحها فى العراق، وتستعد لنقل حروبها إلى جنوب آسيا فى أفغانستان وباكستان.
والثانى، أن ثمة دوائر عدة فى البنتاجون ومجلس الأمن القومى ووزارة الخارجية، بدأت تتداول فكرة تثير القشعريرة فى أوصال إسرائيل: قبول التسلح النووى الإيرانى كأمر واقع، والعمل فى الوقت نفسه على وضع دول الشرق الأوسط الحليفة لها تحت مظلتها النووية لمنعها من الانغماس فى سباق تسلح نووى.
وبالطبع، فى حال انتصرت وجهة النظر هذه، لن يكون فى مقدور إسرائيل سوى الرقص على إيقاع دف رب البيت الأمريكى، فتنتقل هى الأخرى من منطق المجابهة مع إيران إلى معادلة الردع النووى المتبادل معها.
أول من أشار إلى هذا الاحتمال كان دورية «جيروزاليم ريبورت» الإسرائيلية، التى أوردت مؤخرا تقريرا شدد على النقاط الآتية:
ثمة أطراف عدة فى أجهزة الاستخبارات الدولية تعتقد أن إيران باتت تمتلك بالفعل القنبلة، أو بأنها ستمتلكها خلال سنة واحدة من الآن.
تميل كثرة من المحللين الاستراتيجيين الأمريكيين إلى الاعتقاد بأن إيران تكاد تقترب من النظام الديمقراطى الكامل، وبالتالى يقترحون استيعابها وفهم آياتها البراجماتية بدل شن الحرب عليها.
الردع الإسرائيلى لإيران لم يعد يعتمد على صيغة الغموض حيال امتلاك الدولة العبرية الأسلحة النووية، بل على قدرة هذه الأخيرة على توجيه «الضربة الثانية» إليها. وهكذا، تمتنع إيران عن مهاجمة إسرائيل، لعلمها بأن الأسلحة النووية فيها ستنجو من الضربة الأولى وسيكون فى وسعها محو كل مدن إيران عن الخريطة.
بات ثمة شبه بين القدرات الردعية بين طهران وتل أبيب ومثلها لدى الهند وباكستان، حيث خيار الحرب بات مستبعدا بينهما بسبب الخوف من محرقة نووية شاملة.
بكلمات أوضح، التقرير يلمح إلى أن إسرائيل قد تجد نفسها بعد قليل مضطرة هى أيضا إلى الاعتراف بإيران نووية.
لكن متى؟ حتما ليس قبل أن تحاول إشعال الحرب حتى اللحظة «النووية» الأخيرة!