شعوب تنام ظهرًا..
سلامة أحمد سلامة
آخر تحديث:
الإثنين 10 مايو 2010 - 9:51 ص
بتوقيت القاهرة
يبدو أننا نقف على أعتاب أزمة عالمية جديدة تأتى فى أعقاب الأزمة المالية التى شهدها العالم قبل عامين ولم يشف من آثارها حتى الآن، وإذا كانت الأزمة الأولى قد خربت وول ستريت وأسواقا فى أمريكا ثم أخذت تتلاشى تدريجيا، فإن الأزمة الراهنة نزلت كالصاعقة على اليونان، لتضرب عددا من أهم نقاط الضعف فى اقتصادات أوروبا، وتهدد بالإفلاس دولا أخرى مثل إسبانيا والبرتغال وإيطاليا ورومانيا التى تتعرض لاهتزازات اقتصادية عنيفة، أدت إلى هبوط شديد فى أسعار الأسهم وأسواق المال.
واضطرت الحكومة فى بلد مثل اليونان إلى التدخل بإجراءات تقشفية حادة.. مثل تخفيض الأجور والرواتب والمعاشات بنسب كبيرة، وزيادة ضريبة المبيعات والسلع الاستهلاكية والتقليل من الإنفاق العام.
وكان طبيعيا أن تتفجر المظاهرات والاحتجاجات فى شوارع أثينا، وتقع مصادمات دامية مع البوليس قتل فيها وأصيب عدد من الضحايا. وخوفا من أن تنتشر العدوى إلى بقية أوروبا التى تربطها عملة واحدة هى اليورو، لتغرق دول أخرى فى فقاعة الديون الباهظة التى أفلست اليونان.. فقد سارعت دول الاتحاد الأوروبى بالتوافق مع صندوق النقد الدولى إلى وضع لائحة لإنقاذ اليورو وبالتالى إنقاذ اليونان.
واتفقت على ضخ ما يقرب من 110 مليارات يورو كقروض فى الاقتصاد اليونانى، مقابل شروط بالغة القسوة تلتزم بها حكومة اليونان لسداد العجز فى ميزانيتها وتسديد ما عليها من قروض خلال ثلاث سنوات.
تذكرنا هذه الحالة بحقبة من تاريخ مصر فى عهد الخديوى إسماعيل، حين تراكمت الديون على الخزانة المصرية وعجز الخديوى عن سدادها، واتفقت الدول الكبرى الدائنة على إنشاء ما عرف بصندوق الدين الذى فرض على مصر فوائد وأعباء مالية جسيمة، ووضعت مصر تحت الوصاية الدولية وأجبر إسماعيل على التنازل عن العرش.
لم يعد هذا الأسلوب ممكنا فى عصر العولمة والتكتلات الاقتصادية الكبرى، فالدول الأوروبية تربطها عملة واحدة هى اليورو منذ أكثر من عشر سنوات، وعندما يصاب اقتصاد دولة فيها تتداعى له سائر الدول الأعضاء بالسهر والحمى، غير أن أوروبا حين أجمعت على ضرورة إخراج اليونان من ورطتها، لم تخف معظم الشعوب الأخرى ضيقها وتمردها على تحمل نصيبها من «الكفالة» الهائلة التى يتحتم دفعها لليونان.
وكانت الدول ذات الاقتصادات المستقرة مثل ألمانيا من الدول التى وجدت صعوبة فى إقناع الشعب الألمانى بإخراج جزء مما فى جيبه من المدخرات ليعطيها لليونانيين.
والمشكلة هى اختلاف أسلوب الحياة.. حين يرى المواطن الألمانى نفسه منهمكا فى العمل، مقتصدا فى الإنفاق، لا يضيع دقيقة فى الفراغ.. بينما يعيش اليونانيون حياتهم بالطول والعرض، ويرفضون التضحية بقبول إجراءات التقشف لإنقاذ بلادهم، بالرغم من تواضع إنتاجهم القومى وضعف صاداراتهم وانتشار الفساد فى مؤسساتهم.
وقد لا نختلف كثيرا فى مصر عن اليونانيين فى طريقة حياتنا، وكذلك بعض دول البحر المتوسط مثل إيطاليا وإسبانيا الذين يطلقون عليها شعوب «السيستا» أو شعوب النوم ظهرا نظرا لما يتميز به إيقاع الحياة عندهم من بطء واستمتاع بالحياة، ولكن الوحدة الأوروبية تقدم له شبكة أمان لا يقدمها لنا أحد فى مصر.
وتعلق «الإيكونومست» على حالة الهلع التى انتابت أوروبا بسبب هذه الأزمة، فتقول إن ألعن شىء أن تكون مدينا أو دائنا، فالشعب اليونانى لأنه مدين يشعر بأن الدول الأخرى تستغله لتفرض عليه فوائد كبيرة، بينما تخشى الدول الدائنة مثل ألمانيا عجز اليونانيين عن السداد فى غضون الثلاث سنوات.
وهذه هى دائما حال الدنيا بين الدول، كما بين الأفراد!!