الدولار مجددا
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 10 مايو 2016 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
الحديث مستمر عن ارتفاع الدولار، ومناوراته، ما بين انخفاض محدود، وارتفاع يتجاوز الحدود. وقد أعلن محافظ البنك المركزى عن تعديلات لقانون البنوك، تشمل التشديد فى العقوبات المفروضة على الاتجار غير الرسمى فى العملة الصعبة، بحيث تصل عقوبة هذه الجرائم إلى الحبس خمس سنوات، ومصادرة الأموال، وفرض غرامات مالية كبيرة. وأضاف أن هذه العقوبات سوف تشمل كذلك تهريب العملات الأجنبية للخارج عبر المطارات والموانئ المصرية.
قد يرمى هذا الإجراء إلى تخويف تجار العملة، والمتعاملين معهم، والتقليل من حجم التداول والمضاربة على الدولار فى السوق السوداء. وهو أحد العوامل المسئولة عن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، ولكن لا أظن، استنادا إلى تجارب سابقة، أن هذا الإجراء سوف يُسهم فى انخفاض سعر الدولار. هناك معاملات كثيرة تجرى فى السوق السوداء، أو بالمخالفة الصريحة للقانون، تنطوى على عقوبات مغلظة، ولم تؤد إلى الحد من الظاهرة السلبية، أبرزها الاتجار فى المخدرات، وغيرها. وقد يكون الاتجار فى العملة فى السوق السوداء أكثر يسرا، لأنها تجرى فى نطاق شخصيات على علم ببعضها بعضا، فى مكاتب مكيفة، ولا تتطلب الوقوف على نواصى الشوارع للاتجار فى العملة.
بالطبع أى إجراء عقابى يلقى رادعا فى بعض النفوس، لكنه لا يفعل ذلك مع كل البشر، ولاسيما الذين اختاروا نهج «العمل السفلى» فى الحياة، بعيدا عن أى قواعد أو مبادئ. واللافت، أن فى خبرة الاتجار غير المشروع عادة ما يظهر طرف ما، من موظفين علا شأنهم أو صغر، فى قلب الجهاز الإدارى يقدمون التسهيلات مقابل عوائد مالية، بما يشبه نظام توزيع المغانم الفاسدة. وفى تاريخ الاتجار فى العملة حدثت نماذج لما أقول، وفى تاريخ الاتجار فى المخدرات حدثت نماذج مشابهة، ونفس الأمر يتكرر فى كل الجرائم التى تشكل انتهاكا للقانون.
لا يعنى ما أقول أن تغليظ العقوبات على الاتجار غير الرسمى فى الدولار غير مطلوب، لكنى أود الإشارة إلى أن هذا إجراء مؤقت، وتأثيره محدود، لأن الحاجة أو الطلب على الدولار فى ظل نقص المعروض منه يشكل فى ذاته سببا ودافعا لانتعاش التجارة السوداء فيه، والحل دائما فى إدارة أزمة الدولار بوسائل اقتصادية أكثر منها أمنية، من خلال ترشيد الطلب عليه، وايجاد مصادر متجددة له، وكلما قلت الفجوة بين العرض والطلب كلما كان ذلك داعما له.
الشخص لا يذهب إلى بيع الدولار فى السوق السوداء إلا إذا كان هناك عائد «كبير» سوف يحصل عليه، ولا يذهب إلى طلب الدولار من السوق السوداء إلا إذا لم يجده عبر الوسائل الرسمية. من المقولات الكلاسيكية فى الاقتصاد أن المستهلك عاقل ورشيد، يبحث عن المنفعة. إذا تحقق التوازن أو شبه التوازن بين العرض والطلب سوف تختفى السوق السوداء من تلقاء ذاتها.
اللافت أنه بعد أن نسينا لسنوات مصطلح «الاتجار غير الرسمى فى العملة»، نعود نتذكره من خلال اقتراح تغليظ العقوبات عليه، بحيث تضاف هذه الجرائم التى تواجه نوعا جديدا من مافيا العالم السفلى، ذات التخصص المختلف عن أشقائها.