كلب أوباما وجرائم الحرب ضد الشعب الفلسطينى
عماد عبداللطيف
آخر تحديث:
الإثنين 10 مايو 2021 - 7:20 م
بتوقيت القاهرة
اعتدتُ كل صباح أن أطلع على الأخبار الرئيسية فى صحيفتى واشنطن بوست، ونيويورك تايمز، وهما أكبر الصحف انتشارًا فى الولايات المتحدة الأمريكية، وأكثرها تأثيرًا فى العالم. توقعت يوم السبت الماضى أن يتصدر خبر قيام الجنود الإسرائيليين بإصابة أكثر من مائتى فلسطينى وفلسطينية يقاومون ترحيلهم من حى الشيخ جراح العناوين الرئيسة للصحيفتين. فهذا العدد الكبير من الجرحى والمعتقلين والمعتقلات نتيجة اعتداءات قوات الاحتلال حدث عالمى بكل تأكيد. وهو كذلك فرصة للصحيفتين للدفاع عن حقوق الإنسان فى ظروف لا يوجد أى التباس بشأنها: قوة احتلال غاشم، تنتزع أراضى مواطنين عزَّل، وتجبرهم على تركها، وحين يقاومون تضربهم بالنار، وتعتقلهم. أيُّ صحيفة فى العالم تدعى النزاهة والمصداقية لابد أنها ستتخذ من هذه الجريمة البشعة مناسبة للدفاع عن حقوق البشر وعن المواثيق الدولية لحماية حقوق الإنسان. لكننى بحثت وبحثت فلم أجد أى خبر عن الأحداث فى صحيفة نيويورك تايمز على مدار أيام التهجير القسرى، أما الواشنطن بوست فاكتفت بنشر خبر بلا صورة، يعرض الأحداث من منظور الاحتلال!
الإنسانية تموت فى الظلام
تضع جريدة واشنطن بوست شعارًا براقًا فى صدر كل أعدادها هو «الديمقراطية تموت فى الظلام». وهو شعار صحيح تمامًا، فإخفاء الانتهاكات بحق الديمقراطية يؤدى إلى قتلها. لكن ماذا بشأن الإنسانية وحقوق الإنسان؟ ألا يؤدى إخفاء انتهاكات حقوق الإنسان، والصمت عنها، والتعامل معها على أنها غير موجودة إلى قتلها؟ الإجابة هى بكل تأكيد: نعم. فإذا كانت الواشنطن بوست تختار عمدًا إخفاء «جرائم حرب إسرائيلية محتملة» بحسب تعبير الأمم المتحدة نفسها فهى شريك فى هذه الجرائم، وشريك فى قتل الإنسانية فى الظلام. وكيف نصدق بعد ذلك أية دعاوى تقدمها الجريدة بشأن نزاهتها، ونبل مقاصدها، فى حين تسترت على جريمة حرب واضحة أمام العيان.
كل الجرائم التى يمكن إخفاؤها
لسنوت طويلة حملت صحيفة نيويورك تايمز شعار (كل الأخبار التى يمكن نشرها) لتشير إلى اتساع صفحاتها لكل الأخبار دون تمييز، ما دامت قابلة للنشر. لكن يبدو أن أخبار إصابة مئات الفلسطينيين والفلسطينيات على أيدى قوات الاحتلال لا تندرج ضمن ما يُقبل نشره، بل تندرج ضمن ما يتعين إخفاؤه! والسؤال الساذج هو لماذا؟ لماذا تضحى صحيفة كبرى بصورتها العامة لدى مئات الملايين من البشر لكى تحمى قوة احتلال تمارس شكلا من أشكال التطهير العرقى، بحسب تصريح منظمة التحرير الفلسطينية أول أمس؟ ألم يشعر أى محرر فى نيويورك تايمز بتأنيب الضمير بسبب هذا الانحياز الأعمى لكيان يمارس تطهيرًا عرقيًا وجرائم حرب؟ ألم يتساءل أحدهم عن علة تعمد جريدته إخفاء هذه الجرائم ضد الإنسانية؟ أم أن المشتغلات والمشتغلين فيها جميعًا يروق لهم أن يغمضوا أعينهم عن هذه الجرائم، وأن يدعوها تمر كأنها لم تكن أصلا؟
وهم الإنسانية: حقوق «بشرنا» لا «بشركم»
يعرف المتابع لوسائل الإعلام أن الانحياز للحقيقة، والدفاع عن الإنسانية، وحماية الديمقراطية، وغيرها، مجرد شعارات لا صلة بينها وبين الممارسات الفعلية لمعظم وسائل الإعلام. فمعظم الصحف والقنوات التلفزيونية والمواقع الإخبارية إما تهيمن عليها مؤسسات وأنظمة أو يمتلكها رجال أعمال نافذين. وفى الحالين، فإن من يدفع للزمار يختار الأغنية، إلا ما ندر. فهناك قلة من البشر تختار أن تكون صوت الحقيقة، فتدافع عن الحرية والعدل والمساواة، وتفضح المجرمين فى كل مكان. وما يؤلم حقيقة أن هذه القلة القليلة غير موجودة، أو على الأقل غير فاعلة، فى صحيفتين من كبريات صحف العالم، وأكثرها تأثيرًا. ويدفعنا هذا إلى التساؤل: أية أخبار تلك التى نتلقاها من هذه المنافذ للنشر؟ ما الذى يحدث يوميًا ولا يرى طريقه أبدًا للنور بفضل سياسات النشر التمييزية المتحيزة؟ أين يمكن أن نجد الحقيقة إذن، ما دام كل ما يُقدم لنا بوصفه «ما حدث» جرت هندسته بإتقان لكى يضفى مشروعية على أكاذيب؟ وأخيرًا، أى مصير ينتظر الإنسانية حين «تموت» الحقيقة بمنع ظهورها أو تحريفها؟
يعيش العالم خلال العقود الأخيرة مرحلة غير مسبوقة من التلاعب بالحقيقة. فقد تطورت تقنيات التزييف إلى حد تكاد تختفى فيه فعلا إمكانية نشر الحقيقة أو حتى اكتشافها. لم تعد الكذبة بحاجة إلى الترديد خمسين مرة لتصبح حقيقة، بل يكفى أن تحاصر الحقيقة نفسها وتمنعها من الظهور، لكى تحل الكذبة مكانها. وحيثما وليت وجهك سترى الفجوة جسيمة بين الكلمات والواقع الذى تشير إليه، أو بالأحرى لا تشير إليه فى حالة التطهير العرقى للشعب الفلسطينى.
كلب أوباما وأرواح مئات الفلسطينيين والفلسطينيات
سوف يتساءل أحد القراء ما دور كلب أوباما فى عنوان هذا المقال. والإجابة ببساطة هى أن كلب أوباما (المسمى بو) توفى فى اليوم نفسه الذى جرت فيه أحداث جريمة الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى فى القدس، وخلفت 220 جريحًا وجريحة وعشرات المعتقلات والمعتقلين الأبرياء. فجريمة الحرب الإسرائيلية ووفاة (بو) وقع كلاهما فى 8 مايو 2021. فى صباح اليوم التالى، احتل خبر وفاة كلب أوباما (بو) حيزًا كبيرًا من الصفحة الرئيسية لصحيفتى الواشنطن بوست والنيويورك تايمز، مع صور للرئيس الأمريكى السابق وهو يلعب مع كلبه الأثير فى حديقة البيت الأبيض، وعبارات النعى التى كتبها أوباما فى وداع كلبه. أما جريمة الحرب الإسرائيلية فلم تظهر فى الصفحة الرئيسية لأيٍّ من الصحيفتين، لم تنشر أيهما صور أجساد الجريحات والجرحى الذين تنزف دماءهم، ولا المعتقلات والمعتقلين الذين يساقون إلى السجون، ولا البشر المهجرين قسرًا من بيوتهم. ومقارنة التغطية الصحفية لوفاة كلب أوباما والجرائم ضد الفلسطينيين تقول الكثير عن وسائل إعلام هذا الزمان الحزين.