الملكية الدستورية فى المملكة المتحدة
مواقع عالمية
آخر تحديث:
الأربعاء 10 مايو 2023 - 9:00 م
بتوقيت القاهرة
يستغرب بعض الشعوب من وصول شخص للسلطة عن طريق الوراثة، وحصوله على قدر كبير من القيمة. فى ضوء ذلك، نشر موقع Project Syndicate مقالا للكاتب توم جينسبيرج، يقول فيه إن الملكية الدستورية ما زالت بخير، ولا يجب البحث عن بديل إلا بعد دراسة متأنية، ذاكرا بعض مميزات النظام الملكى الدستورى فى معالجة الأزمات الوطنية. ومع ذلك، يتجه العديد من رعايا المستعمرات إلى إعادة النظر فى فكرة تولى امرأة أو رجل عجوز منصبا شرفيا عليهم، كـدولة «بربادوس» التى أصبح نظامها السياسى جمهوريا فى 2021، وجامايكا التى تبنت خطوات إصلاحية مماثلة.. نعرض من المقال ما يلى:
مع تتويج ملك بريطانيا تشارلز الثالث رسميًا، تبدو «الإمبراطورية التى لا تغرب عنها الشمس» متهالكة بعض الشىء. بالإضافة إلى المملكة المتحدة، لا تزال 14 مستعمرة بريطانية سابقة تحتفظ بتشارلز كملك ورئيس للدولة، لكن العديد من رعاياه حول العالم يعيدون النظر فى هذا الترتيب.
لقد أصبحت بربادوس جمهورية فى عام 2021، وبدأت جامايكا عملية مماثلة للإصلاح الدستورى وقد تتبعها دول أخرى قريبًا. لماذا يتوجب على بلدان من بيليز إلى توفالو الاحتفاظ برجل عجوز أبيض يعيش فى دولة متوسطة القوة وبعيدة جدًا عنها كرئيس شرفى لها؟
إن الشعب الأمريكى بالطبع يجد صعوبة فى فهم سبب قبول أى شخص لأشخاص يصلون للحكم عن طريق الوراثة، أو لماذا يكون لمنصب شرفى بحت أى قيمة. لكن الملكية الدستورية ما زالت حية وبوضع جيد فى بعض من أكثر دول العالم تقدمًا. لا يجب التخلص منها إلا بعد دراسة متأنية لفوائدها المهمة.
●●●
دعونا نبدأ بالقول إن عكس الملكية الدستورية هى الملكية المطلقة حيث يمارس من خلالها الملوك والملكات سلطة حقيقية. يجب أيضًا التمييز بين الملكيات الدستورية وبين الجمهوريات حيث يتم انتخاب رئيس الدولة من قبل الشعب أو من قبل من يمثله فى البرلمان. يخدم رؤساء الدول فى الجمهوريات لفترة محدودة فقط، بينما يشغل الملك عادة الوظيفة مدى الحياة.
إن الملكية الدستورية ليست ظاهرة نادرة حيث يوجد حاليًا 34 ملكية دستورية تمثل 18٪ من حوالى 193 دولة مستقلة وهى عبارة عن مجموعة من البلدان الناجحة بشكل غير عادى وبكل المقاييس بما فى ذلك معظم الدول الإسكندنافية واليابان ودول البنلوكس، بالإضافة إلى الأراضى التى تحت حكم تشارلز فى أستراليا وكندا ونيوزيلندا.
وفقًا لمؤشر وحدة الاستخبارات الاقتصادية للديمقراطية لسنة 2022 فإن عشرا من بين أكبر عشرين دولة ديمقراطية فى العالم هى ملكيات دستورية، وكذلك تسع من بين أغنى عشرين دولة علمًا أن ثمانية من بين أفضل عشرة دساتير حول العالم من حيث الاستمرارية والثبات تنص على وجود ملك.
لقد تمكنت تلك الملكيات الباقية من تحقيق ذلك بسبب أنها وعلى مدى فترة طويلة من الزمن قامت بتسليم السلطة للمجالس التشريعية المنتخبة من قبل الشعب. لقد بدأت عملية الإصلاح السياسى هذه مع ماجنا كارتا فى إنجلترا وتعززت فى القرن التاسع عشر فى معظم البلدان الأخرى.
عندما كان الملوك يقاومون التعدى على سلطتهم، فإنهم عادة ما كانوا يفقدون عروشهم ــ وأحيانًا رءوسهم. وعندما استسلموا، أصبحوا قادة رمزيين ولكنهم أعطوا إشارة كذلك للمحافظين إلى أنه قد تم تأمين مصالحهم.
يوفر الملوك أيضًا شكلا من أشكال التأمين السياسى حيث يمكنهم التدخل خلال فترات الأزمات الوطنية، ومن الأمثلة الشهيرة على ذلك الملك خوان كارلوس الأول ملك إسبانيا والذى ساعد فى إحباط انقلاب تم شنه بلسمه عام 1981. لقد ظهر على شاشة التلفزيون وأمر القوات المسلحة بالعودة إلى ثكناتها وحتى إنه كان يتواصل بشكل فردى مع كبار الجنرالات مما ساعد على منعهم من التنسيق فيما بينهم. يتضمن المسلسل «التاج» على نتفليكس رواية خيالية عن تدخل الملكة إليزابيث الثانية من أجل إحباط فكرة ابن عمها اللورد مونتباتن بعمل انقلاب خلال رئاسة هارولد ويلسون للوزراء.
ومع ذلك، فلقد عُرف عن بعض الملوك المفترض أن يكونوا دستوريين بأنهم كانوا يحرضون على الانقلابات ضد حكوماتهم، فبدلا من التصرف مثل الملك خوان كارلوس لتقويض من وراء الانقلابات العسكرية، وافق ملك تايلاند بوميبول أدولياديج على عشرة انقلابات خلال فترة حكمه التى استمرت 70 عامًا كما أثار ممثل الملكة إليزابيث فى أستراليا السير جون كير أزمة دستورية عندما أمر بإقالة رئيس الوزراء المنتخب جوف ويتلام فى سنة 1975.
يمكن للملوك أحيانًا من خلال دورهم فى دعم الحكومات فى الأنظمة البرلمانية اتخاذ قرارات غير مباشرة تساعد الأحزاب السياسية على التغلب على الجمود، وفى الأزمات الأخرى يمكن للملك أن يكون بمثابة نقطة محورية للمقاومة الوطنية ضد الغزاة. خلال الحرب العالمية الثانية، رفض ملك النرويج هاكون السابع الاعتراف بحكومة المتعاون النازى فيدكون كويزلينج، وبدلا من ذلك اختار مغادرة بلاده طوال فترة الحرب.
يمكن للملوك أيضًا حماية الأقليات أثناء الأزمات. لقد ركز الملوك الدستوريون فى المغرب والدنمارك وبلغاريا على حماية رعاياهم اليهود خلال الحرب العالمية الثانية حيث رفض العاهل المغربى محمد الخامس الامتثال لأوامر حكومة فيشى الفرنسية باعتقال اليهود أثناء الحرب وهناك أخبار غير موثقة بأن ملك الدنمارك ارتدى نجمة داود صفراء.
●●●
فى عصرنا الحالى يمكن للوحدة الرمزية التى يوفرها النظام الملكى أن تحد من جانب يعتبر من أكثر جوانب الشعبوية إشكالية. عادة ما يزعم الديماجوجيون الشعبويون، مثل فيكتور أوربان فى المجر وياروسلاف كاتشينسكى فى بولندا، بوجود صلة حصرية تكاد تكون روحانية مع «الشعب» وهم وحدهم قادرون على حمايته من النخب كما يقومون بشيطنة خصومهم على أساس كونهم «عدو للشعب». ومع ذلك، فإن مثل هذه الادعاءات غير فعالة فى ظل الملكية الدستورية. إن مهمة تجسيد الناس قد تم شغلها بالفعل مما يحد من مقدار القوة الرمزية التى يمكن لأى فرد آخر أن يكتسبها.
وعليه، وبينما يصور أردوغان نفسه كسلطان جديد وكان هوجو شافيز، الزعيم الفنزويلى الراحل، يستحضر الزعيم التاريخى سيمون بوليفار، فإن من الصعب أن نرى كيف يمكن أن يظهر نظير لهؤلاء ويتمتع بالمصداقية فى بريطانيا أو الدنمارك أو النرويج. إن أقرب نظير لهؤلاء فى تلك الدول هو زعيم مشاغب مثل رئيس الوزراء البريطانى السابق بوريس جونسون والذى شعر بالإحباط من كبير مستشاريه وقال له بشكل فظ «أنا الفوهرر. أنا الملك الذى يتخذ القرارات».
مع وجود ملك على رأس النظام، فإن مثل هذا الادعاء يسقط، وهذا ما تؤكده البيانات المأخوذة من قاعدة بيانات الشعبوية العالمية والتى تُظهر أن الملكيات الدستورية تشهد خطابا شعبويا أقل فى الخطابات السياسية.
إن من المؤكد أن وجود «ملكة أو ملك دستورى» هو عمل صعب للغاية، فالملك الدستورى هو إلى حد ما أسير المجتمع ويلعب دورًا شرفيًا فقط ويقضى أيامه فى قص الشريط وإلقاء الخطب المملة، بينما يتم لغايات الترفيه التمحيص فى كل خطوة يقوم بها. ولا عجب فى أن بعض أفراد العائلة المالكة قرروا الرحيل، فبالإضافة إلى الأمير هارى، تخلت الأميرة اليابانية ماكو عن لقبها فى عام 2021، والأمير الدنماركى يواكيم هو آخر من رحل إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
●●●
بينما يفكر الشعب الجامايكى وغيره فيما إذا كانوا سينضمون إلى هارى فى ترك التاج وراءهم، فمن الأفضل أن يتأملوا فى سبب تمتع الملكية الدستورية بكل هذا النجاح فى القرن الحادى والعشرين. قد يبدو أن الملك تشارلز هو بقايا لنظام عفا عليه الزمن، ولا شك أن مملكته ستتقلص فى السنوات القادمة، لكنها لن تختفى، وبالنسبة لمن تبقى من رعاياه، قد يكون ذلك شيئًا جيدًا جدًا.
النص الأصلى