عقبات فى طريق التكنولوجيا الحالية
محمد زهران
آخر تحديث:
الجمعة 10 مايو 2024 - 7:50 م
بتوقيت القاهرة
نحن الآن فى عصر تتصدر فيه التكنولوجيا أحاديث الناس، العالم كله يتكلم عن الذكاء الاصطناعى والحاسبات السحابية وأساليب البرمجة وانترنت الأشياء إلخ. إذا نظرنا إلى الجامعات عندنا فى مصر سنجد الكليات المعنية بهذه التخصصات تتركز فى:
• كليات الهندسة خاصة هندسة الحاسبات والهندسة الكهربائية
• كليات الحاسبات
• وبدرجة أقل أقسام الحاسبات بكليات العلوم
هذه الكليات متناثرة فى عشرات الجامعات، وحسبما أرى (وهى نظرة شخصية قد تكون قاصرة) فهى تتنافس فيما بينها ولا تتكامل. التنافس مطلوب للارتقاء بالمستوى، لكنى أرى أغلب التنافس فى استقطاب الطلاب بوجود الحفلات والملاعب والرحلات وليس التنافس العلمى. أما من حيث التكامل فلا وجود له. إذا قارنت أغلب المواد الدراسية فى كليات الهندسة أقسام الحاسبات بتلك التى فى كليات الحاسبات فستجد شبه تطابق وهذا لا يجوز. قد يقول قائل: المواد الدراسية يجب أن تتبع السوق، فحيثما توجد الوظائف توجد المواد المؤهلة لتلك الوظائف. هذا لا يجوز لأن خريج الهندسة له نقاط قوته وخريج الحاسبات له نقاط قوته أيضا والسوق يحتاجهما معا. المهندس أقرب إلى تصميم الحاسبات وخريج الحاسبات أقرب إلى البرمجيات. كلاهما يمكن أن يكون ماهرا بالبرمجة لكن المهندس يمكن أن يساعد فى جعل البرمجيات أسرع وأقل فى استهلاك الطاقة وتستطيع القيام بعملها حتى ولو حدث عطل فى بعض أجزاء الحاسب. خريج الحاسبات يصمم البرمجيات بحيث تكون أسهل فى الاستخدام وتحتاج عمليات حسابية أقل إلخ. كلاهما يمكنه العمل فى مجال تأمين المعلومات.
ليس هذا فحسب، لكن المهندس الذى يصمم جهاز الحاسب يجب أن يتعاون مع المبرمجين حتى يتعرف على أنواع البرمجيات التى يستخدمها الناس وبهذا يصمم جهازا مهيأ لهذه البرمجيات. وهذا التعاون هو ما جعل عندنا أجهزة حاسبات صغيرة وعملاقة مصممة خصيصا لبرمجيات الذكاء الاصطناعى.
العلوم والتكنولوجيات تتكامل، وهذا التكامل هو ما يصنع المعجزات. هذا المقال هو نظرة عامة على تكامل بعض التكنولوجيات والعلوم فى مجال الحاسبات.
مر أكثر من 26 عاما على فوز جهاز ديب بلو (وهو من أجهزة الحاسبات العملاقة فائقة السرعة) الذى صنعته شركة أى بى إم على بطل العالم فى الشطرنج آنذاك جارى كاسباروف. الآن برنامج الشطرنج الذى يمكنك تحميله على تليفونك المحمول يمكنه هزيمة بطل العالم الحالى للشطرنج بكل سهولة. هذا راجع إلى عاملين:
• تطور برمجيات الذكاء الاصطناعى
• تطور تصميم الحاسبات بحيث أن سرعة التليفون المحمول أعلى من سرعة الحاسبات العملاقة التى وُجدت منذ عقدين أو أكثر.
هذا مثال يوضح التكامل بين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى وتكنولوجيا تصميم الحاسبات (نعم، فتليفونك المحمول هو جهاز كمبيوتر).
لكن مازال الطريق طويلا فى كلا التخصصين. برمجيات الذكاء الاصطناعى خاصة تعليم الآلة (وهو غالبا ما يقصده العامة عندما يتحدثون عن الذكاء الاصطناعى) تعمل جيدا إلى حد ما فى مجالات عديدة، وعما قريب ستمس كل مناحى الحياة. مهندسو وعلماء الحاسبات يعلمون كيف تعمل تلك البرمجيات لكنهم لا يعلمون لماذا تعمل جيدا. هذا سؤال مازال مطروحا، وحتى تتم الإجابة عليه فلن نصل إلى قفزة كبيرة فى هذا المجال.
نأتى إلى التخصص الآخر: تصميم الحاسبات.
تطورت الحاسبات تطورا كبيرا، هذا تخصص بدأ فى الأربعينيات أى يعتبر شابا بالنسبة لتخصصات أخرى. رأينا كيف يتكامل تخصص تصميم الحاسبات مع تصميم البرمجيات بعامة ومع الذكاء الاصطناعى كتخصص منفصل. لكن تصميم الحاسبات يتكامل ويتأثر بتخصصات أخرى كما سنرى.
تصميم الحاسبات مثل بناء عمارة، إذا اعتبرنا أن الطوبة هى وحدة البناء للعمارة (مع الاعتذار الشديد لمهندسى العمارة والمدنى على هذه المعلومة الخاطئة، لكنى أستخدم العرف لشرح المعلومة) فإن الترانزستور هو وحدة بناء رقائق الحاسبات (computer chips)، كلما وضعنا عددا أكبر من الترانزستور داخل الرقائق كلما أمكننا بناء أجهزة أكثر سرعة (تبسيط مخل لكنه يفى بالغرض). وضع عدد أكبر من الترانزستور معناه تصغير حجم الترانزستور، وهذه مشكلة لأنه لن يكون بالإمكان تصغير الترانزستور أكثر من ذلك بعد سنة من الآن على الأكثر، ما لم يحدث اكتشاف كبير فى الفيزياء لأن تصميم الترانزستور وتصغيره يعتمد على قواعد فيزيائية معينة لن نتحدث عنها. وهذا يوضح العلاقة الوطيدة بين ما يحدث فى علوم الفيزياء وتصميم الحاسبات.
الطريق من الترانزستور لتصميم الحاسبات يمر بالهندسة الكهربائية لأنها تأخذ الترانزستور وتصنع منه أجزاء «البازل» الذى يستخدمه مهندس الحاسبات لتصميم جهازه.
إذا فتقدم فى علوم الفيزياء سيؤثر على تخصص الهندسة الكهربائية الذى سيؤثر بدوره على تخصص تصميم الحاسبات والذى يتكامل مع علوم الحاسب من برمجة وذكاء اصطناعى ونظم محاكاة إلخ.
هذا عن التكامل بين عدة علوم وتكنولوجيات، لكن يجب ألا ننسى أن العالم ملىء بالأشرار.
الأمن السيبرانى من أهم تخصصات علوم وهندسة الحاسبات. هذا التخصص أعمق بكثير من مجرد التشفير أو برمجيات كشف الفيروسات وما شابه. الموضوع يبدأ من تصميم الحاسبات وتصنيعها. فمن الممكن وضع «باب خلفى» داخل رقائق الكمبيوتر لترسل المعلومات الموجودة على الجهاز إلى جهاز آخر. بل إن هناك بعض الأبحاث حول سرقة معلومات من على أجهزة غير متصلة بالانترنت. الموضوع فى الأمن السيبرانى أشبه بلعبة «القط الفأر». كلما تم اكتشاف وسيلة للهجوم يبتكر خبراء الأمن السيبرانى وسيلة للدفاع ثم يتم اكتشاف وسيلة للهجوم على النظام الجديد، وهكذا.
الأمن السيبرانى يحتاج متخصصين فى البرمجيات وفى تصميم الحاسبات على حد سواء.
هذه رحلة سريعة حول عدد من التخصصات وكيف تتكامل، فماذا نحن فاعلون؟
حتى يمكننا المنافسة فى عالم التكنولوجيا يجب أن نعرف نقاط قوتنا ونقاط ضعفنا. نقاط قوتنا يمكن تلخيصها فى النقاط الآتية:
• عندنا عدد كبير جدا من الشباب مقارنة بدول أخرى كثيرة.
• الشباب له طموحات كبيرة ومتعطش للتعلم.
• الشباب الآن يستطيع الوصول إلى المعلومات التى يريدها عن طريق الانترنت وبنك المعرفة إلخ.
أما نقاط الضعف فيمكن تلخيصها فى الآتى:
• مجهودات الشباب مشتتة ولم نستطع بعد توجيهها الوجهة التى تحقق طموحات البلاد فى مجال التكنولوجيا.
• أغلب الشباب يريد الجرى وراء «موضة» الذكاء الاصطناعى فقط حتى وإن لم تكن قدراتهم مناسبة لذلك. فهناك شباب طريقة تفكيرهم تجعلهم مبرمجين ممتازين بينما آخرون أفضل فى تصميم الحاسبات أو الأمن السيبرانى إلخ. فإذا فنحتاج ليس فقط تدريب الشباب وتعليمهم لكن أيضا توجيههم الوجهة التى تجعلهم يبدعون.
• كما قلنا فى أول المقال: الأقسام فى الكليات تتنافس بدلا من أن تتعاون وتتكامل.
الأمر إذا يحتاج خطة تستغل نقاط القوة مع تفادى نقاط الضعف وهذا سيأخذنا إلى علوم الإدارة وقد نتكلم عنه فى المستقبل.