لن نتجه لانتحار قومى
إبراهيم يسري
آخر تحديث:
الأحد 10 يونيو 2012 - 8:30 ص
بتوقيت القاهرة
تابعت على البعد تطورات الموقف فى مصر بعد انتخاب البرلمان وخرجت بانطباعات غير مريحة، ذلك انه بدا أن جميع الأطراف ترفض التطبيق الديمقراطى أو تلتف عليه وتتغافل عن المصلحة الوطنية العليا وتعلى الخلافات الضيقة والاحقاد القديمة، وكانت البداية من الأغلبية التى بدأت بداية خجولة فى ممارسة مسئولياتها بأن تنازلت مسبقا عن أعمال التصويت ونادت بما سمته المشاركة لا المغالبة، وهذا طرح سلبى يجهض التجربة الديمقراطية الوليدة، وكانت أولى العلامات هى تلك الضجة الكبرى والمعركة الساخنة على موضوع إجرائى بحت وهو تشكيل اللجنة التأسيسية التى تعد مشروع الدستور، وهنا شهدنا رفضا باتا للآلية الديمقراطية، حيث رفضت قلة ما رأته الأغلبية وراحت تشن حملات قوية بقيادة نواب لديهم اجندات خاصة ويعدون على أصابع اليد الواحدة ممن يمارسون الأداء البرلمانى لأول مرة وتنقصهم الخبرة وعمق الرؤية، يتباكون فيها على ما سمته الاستحواذ من قبل الأغلبية. والغريب أن الأغلبية قبلت إعادة النظر فى التشكيل ربما حرصا منها على سرعة إنجاز الدستور قبل انتخابات الرئاسة.
وتبدو تحكمية القلة فى تعويقها لعملية إعداد الدستور بالدعوة إلى تمثيل كل الجماعات والنقابات والفئات فى اللجنة وهو إمر يستحيل الوصول اليه فضلا عن أن إعداد الدستور لا يتسم بالصعوبة على ضوء استقرار المبادئ الدستورية، لتختزل مهمة اللجنة فى اختيار نظام الحكم وسلطات رئيس الجمهورية وفى مسعاها لإرهاب الأغلبية خرجت علينا دكتاتورية القلة باصطلاح اسمه التوافق داعية إلى إهدار اول قواعد الديمقراطية وهو التصويت واحترام الجميع لنتيجته، وصممت الأقلية على صدور كل القرارات بما يسمى التوافق.
●●●
نأتى للمشهد فى انتخابات الرئاسة، فمن جانب السلطة وضح أن بقايا النظام السابق ومعهم مليارات الجنيهات ودعم اجهزة الدولة يلعبون لعبة خطرة وغير أخلاقية بمحاولة إعادة انتاج النظام القديم والحفاظ على كل سوءاته فى تحد واضح للقوى الوطنية ومبادئ الثورة، وعلى الجانب الآخر فشلت القوى الوطنية التى تتحد فى أهدافها فى تجميع قواها، فقد تاه الناخب فى التصويت لأنه لا يمكنه أن يفاضل بين مرشح وآخر، مما أدى إلى تشرذم الصوت الوطنى وخروج قامات وطنية مناضلة من السباق.
وفى رفض آخر للتطبيق الديموقراطى غرق أنصار المرشحين الوطنيين المناضلين الذين خرجوا من المنافسة فى غمرة مشاعر عاطفية، أبرزها (القمصة) والغيظ والإحباط فطاشت سهامهم لتصيب المرشح الوحيد الذى يمثل الثورة، ويؤخذ على النخب والقادة انهم دعوا أو شجعوا وغضوا الطرف فتركوا مؤيديهم على الامتناع عن التصويت أو إبطال الصوت الثورى الوطنى عزوفا عن تأييد المرشح الذى يقف فى وجه مرشح الفلول وأركان نظام مبارك والذى كرس إمكانيات مادية هائلة وحظى بدعم السلطة، ومؤدى هذا هو تدمير البقية الباقية من مبادئ الثورة وتسليم البلاد لنظام عسكرى مباركى.
ومما يزيد المشهد غرابة وبعدا عن المنطق أن المرشحين الوطنيين قد يكررون خطأهم ويعزفون عن منح تأييد صريح للمرشح الوحيد للثورة، ويعتمد مرشح الفلول والقوى المناصرة له على هذه الفرقة حتى يمر مرشحهم فى معركة الاعادة، ولكنى لا أعتقد للحظة واحدة أن هؤلاء المناضلين يمكن أن ينسوا كفاحهم ومبادئهم وانهم فى نهاية المطاف سيدعمون مرشح الثورة.
وفى إنكار لمبادئ الدستور راح البعض ليطالب حزب هذا المرشح بأمور تعجيزية يصعب قبولها منها حل جماعة الاخوان المسلمين أو تشكيل مجلس رئاسى لا يكون للمرشح فيه قدرة للتعبير عن إرادته، ثم جاء اكثر الطلبات فجاجة وهو أن يتنازل المرشح كتابة عن بعض صلاحياته وأن يعين نوابا من غير حزبه مفروضين عليه وان يعين رئيس للوزراء من خارج حزبه وأن يقتصر الوزراء من حزب الحرية والعدالة على عدد قليل. واستند ممثلو القوى الوطنية على أن الأصوات التى حصلوا عليها جميعهم تقارب عشرة ملايين ويخرجون من ذلك انهم الأغلبية لأن المرشح الوطنى حصل فقط على خمسة ملايين وبذا يصح لهم إملاء مطالبهم.
وبدى هذا المنهج واضحا عندما حاصر مقدم احد البرامج مرشح حزب العدالة والتنمية رغم موافقته على اقتراحات كاتب اجنبى وأصر على أن يطلب من المرشح الرئاسى أن يلتزم كتابة وأن يوقع على وثيقة بذلك، وهو تصرف لا يسانده دستور ولا منطق ولعله يسال من يطلبون ذلك فيما تفيدكم الوثيقة هل تذهبون بها للمحكمة مثلا ؟ أن شريط الفيديو المذاع اقوى من أى وثيقة وهى تسجل نكوصا أخلاقيا اذا لم ينفذ الرئيس بعضها دون أن يبرر رفضه.
وواقع الأمر أن فى ذلك النهج خرقا واضحا لمبادئ الدستور والقانون فالرئيس لا يلتزم بأوراق مكتوبة قبل فوزه، وهو مسئول بعد انتخابه امام البرلمان الذى يستطيع أن يوجه له تهمة الخيانة العظمى ويخلعه من منصبه. وجرى التطبيق فى البلاد الديمقراطية الراسخة على أن الوعود الانتخابية لا تلزم الرئيس بعد توليه السلطة لأنه يصبح بعد توليه اكثر إلماما بمصالح الدولة من واقع ما تعرضه عليه الأجهزة الحكومية.
●●●
خلاصة ما تقدم أن جميع الأطراف ترفض الانصياع لضرورات الواقع وآليات الديمقراطية ولا تستشعر الخطر الذى يتمثل فى فوز الفريق المناهض للثورة، وبذلك تتحمل القيادات والنخب الثورية مسئولية قفز مرشح النظام السابق على السلطة وإهدار دماء الشهداء. والأمل مازال باقيا أن يغير المناضلون الشرفاء موقفهم ــ وهم يتحدثون باسم عشرة ملايين صوت يستطيع حسم المعركة واسقاط مرشح مبارك ــ أن يكتلوا جهودهم هذه من اجل مصر وهذا ما اشعر بأنه مؤكد، ولكن دعنا ننتظر حكم الشعب الذى قام بثورته بلا نخب ولا رءوس فقد تحمله رؤيته الثورية إلى تجاهل الفرقة والتصويت للأمل الوحيد الباقى وصولا إلى إسقاط مرشح الفلول ونظام مبارك.