ملف الصحة النفسية.. محور الأمعاء والدماغ!
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 10 يونيو 2022 - 8:40 م
بتوقيت القاهرة
رغم أن الفسيولوجى أو علم وظائف الأعضاء من العلوم الأساسية للطب والتى تم إرساء قواعدها وعليها بنيت النظريات التى استمرت وتتطور باستمرار إلا أنه يفاجئنا الآن بجديد لم يخطر على بال من قبل: إلى جانب كل أعضاء الجسم المعروفة ونظمها إلا أن هناك عضوا جديدا ينضم إلى القائمة المعروفة ويفتح الباب أمام احتمالات ووظائف مدهشة يؤديها بتلقائية لصالح الإنسان: لم لا وهو يسكن أمعاءه!
أصبح معروفا أن تعيش فى أجسامنا أكثر من مائة تريليون من الميكروبات أى ما يقرب من عشرة أضعاف خلايا جسم الإنسان ذاته. غالبية تلك الميكروبات تعيش فى الأمعاء وتمارس وظائف هامة للغاية فهى تدعم عمل جهاز المناعة فى معاركه مع الميكروبات الضارية الأخرى وتساعد فى عمليات هضم الطعام وإنتاج الفيتامينات.
الجديد فى الأمر أن العلم الآن يبحث فى تفاصيل علاقة قوية بين ذلك الكيان العبقرى الذى يسكن الأمعاء وصحة الإنسان النفسية وما يعتريه من قلق واكتئاب وانفصام فى الشخصية!
القصة جاءت فى نتائج دراسة علمية نشرتها مجلة (جاما JAMA) للطب النفسى أجراها فريق بحث علمى مشترك بين بريطانيا وألمانيا فى عدد سبتمبر من العام الماضى. الدراسة جاءت لترد على السؤال الذى تردد عن دور أساسى للباكتيريا الصديقة فى الأمعاء فى إحداث إضطرابات نفسية عند حدوث تغيرات فيها: اضطرابات تكوين ميكروبيوتا بكتيريا الأمعاء فى الاضطرابات النفسية.
لخص فريق البحث استنتاجاتهم العلمية بقولهم «تجمعت لدينا أدلة كثيرة سابقة تشير إلى أهمية اضطرابات ميكروبيوتا الأمعاء فى العديد من الاضطرابات النفسية مثل نقص الباكتيريا المضادة للالتهاب أو زيادة البكتيريا المحفزة للالتهاب كانت مرتبطة بوجود الاكتئاب والاضطراب ثنائى القطب وانفصام الشخصية والقلق.
جاءت التعليقات على نتائج الدراسة ربما بأهمية الدراسة ذاتها إذ إن هناك تعليقات من مراكز معروفة بقدرتها العلمية الفائقة مثل كينجز كولدج التى أصدرت تقارير علمية تطالب الأطباء بضرورة زيادة الوعى بأهمية صحة الأمعاء عند التفكير فى علاج بعض الاضطرابات النفسية والعصبية.
فى مجال الصحة النفسية بدأت التكهنات تتزايد عن نظام من الاتصالات والتواصل بين الجهاز الهضمى والمخ أطلق عليه «محور الأمعاء والدماغ» Gut ــ Brain axis. بل أيضا وضعت تصورات تربط بين العدوى الميكروبية فى الجهاز الهضمى وخيارات التغذية السيئة أو الإسراف فى تناول المضادات الحيوية دونما ضرورة طبية كلها يمكن أن تؤثر سلبا على مستعمرات البكتيريا الصديقة فى الأمعاء وهو ما يؤثر على هذا المحور الهام بين الأمعاء والمخ.
كان هناك أيضا ما يدعم نتائج تلك الدراسة الهامة لدى معهد كاليفورنيا لعلوم الأعصاب السلوكية وعلم النفس والذى أكد فى تقرير سابق له أن هناك بعض الأنظمة الغذائية التى ترتبط بتحسين الصحة العقلية، وأشار إلى أن نظام غذائى شعوب البحر الأبيض المتوسط أفضل الأمثلة على ذلك.
بل وأشار التقرير أيضا إلى صحة ميكروبيوم الأمعاء إذا ما كان فى حالة صحية جيدة فإنه يغير الآثار الضارة للنظام الغذائى الفنى بالدهون ويحسن الحالة المزاجية والسلوك. كما أن التغذية السليمة وأطعمة البروبيوتك فإنها تساعد أيضا على تقليل القلق والاكتئاب واضطرابات المزاج.
من الواضح أن ذلك الطريق بين الأمعاء والمخ طريق مفتوح فى الاتجاهين فقد يرتبط القلق بمشاكل المعدة والعكس صحيح. للدماغ بلاشك تأثير مباشرة على المعدة والأمعاء، فالجهاز الهضمى حساس لحالات الحزن والقلق والغضب والفرح كلها مشاعر تؤدى لظهور أعراض فى قناة الإنسان الهضمية.
وفى طرح آخر تحت عنوان «أطعمة جيدة للمزاج» ذكرت رابطة القلب الأمريكية أن هناك بالفعل أطعمة تعد مدعاة لتحسين مزاج الإنسان منها الفواكه والخضراوات وأحماض أوميجا ٣ والأسماك والمكسرات والشيكولاتة الداكنة!
سبحان الله: الخالق الذى خلق فسوى وجعل مفاتيح الصحة والمرض فى أبسط الأشياء وأيسرها فهل نتدبر رموز حكمته؟