قطر فى خاطرى
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 10 يوليه 2017 - 9:25 م
بتوقيت القاهرة
هذا المقال ربما يجلب بعض سوء الفهم من الأصدقاء والمتربصين على حد سواء، ومع ذلك أطرح كلمتى وأجرى على الله، تحدونى ثقة فى أن الكلمة الصادقة هى أفضل سلاح فى أوقات الصعاب، والشدة والأزمات، وربما تكون أكثر فائدة فى الظروف التى نعيشها من أى وقت آخر.
فقد عشت وعملت فى قطر بين عامى 1995 و1998، زاملت خلالها عددا من الاشقاء ابناء مهنة البحث عن المتاعب سواء من قطر أو من بعض الدول العربية الأخرى، وأشهد أنها كانت أياما مليئة بالحب والمودة، رغم أنها شهدت فى شطر منها توترا فى العلاقة بين القاهرة والدوحة، وكان الإعلام لا يقل حدة فى الحروب الكلامية المتبادلة عما يدور الآن، وقد يكون ما يجرى اليوم تتويجات لذات التوترات.
فى تلك الأيام البعيدة كانت صحيفة «الشرق» حيث كنت أعمل بقسم الشئون العربية والدولية، يرأس تحريرها الأستاذ ناصر العثمان الملقب بعميد الصحافة القطرية نظرا لمهنيته وتاريخه الطويل مع العمل فى بلاط صاحبة الجلالة، وقد كانت لى مع الرجل مواقف عدة تثبت أن السحاب، وحتى الغيوم المرعدة فى العلاقات بين الحكومات، لا يجب أن تنسحب على الشعوب التى تربطها أواصر المحبة، ووشائج القربى.
كنت أدخل مع الأستاذ ناصر فى حوارات كثيرة حول السياسة وما يمكن أن تلعبه من تأثير سلبى على تواصل الناس، والتضييق على حياتهم من وقت إلى آخر، وما يجب على الإعلام أن يقوم به من تخفيف لحدة التوتر فى العلاقات بين الدول العربية بعضها البعض بحيث لا تفسد الخلافات بين الحكومات للودة قضية بين الشعوب، وأن يعى الإعلاميون أن العلاقات بين الدول لا تقوم على العداء الدائم أو المحبة المطلقة.
وعلى الأرض ورغم حدة المعارك الإعلامية التى كانت دائرة بين القاهرة والدوحة فى تلك الأيام، يشهد الله أننى كمصرى لم أجد من أى أخ قطرى تعاملا مختلفا عما كان عليه الوضع قبل اندلاع الأزمة، بل على العكس لمست حرصا على تأكيد أن للسياسة ظروفها وللشعوب محبتها، وكانت زوجتى تستقبل صديقاتها القطريات فى اجواء من المودة التى تتجاهل ما يمكن أن تولده إحن السياسة وخلافات الساسة.
أعلم أن الظروف الحالية، وفى أعقاب الخلافات التى أدت بأربع دول عربية بينها مصر إلى مقاطعة قطر دبلوماسيا، تختلف فى ظل اتهامات واضحة وصريحة لقطر بدعم الإرهاب الذى نكتوى بناره، ويمس حياة المصريين، عسكريين ومدنيين، فى معركة طويلة الأمد تحتاج منا الصبر والنفس الطويل، غير أن ذلك لا يجب أن يجعلنا كصحفيين نفقد البوصلة والخيط الرفيع بين الهجوم على ما هو قرار سياسى أو فعل حكومى يقوم به النظام القطرى، والشعب القطرى نفسه الذى تربطه بمصر علاقات ممتدة، وربما امتزاج بالدم بفعل المصاهرة والتزاوج بين الأسر هنا وهناك.
وفى ظل الموج العاتى، سيرد البعض كيف لنا كإعلاميين فى مصر التجرد من مشاعرنا الوطنية ونحن نشاهد قناة الجزيرة وشقيقاتها تصب النار على البنزين، وتروج العنف والتطرف تجاه بلدنا، ألا تطالبنا بما لا يجوز، وهل نصمت على الحملات الشرسة التى تشن ضد مصالحنا؟.
هذا هو سوء الفهم الذى أخشاه، فجل ما أدعو إليه أن نعى وأن نفرق بين الحملات السياسية التى يتسلح فيها الإعلامى بالمعلومة والتصريح نقلا عن هذا المسئول أو ذاك، وبين خلط الأمور والخوض فى المنطقة التى تمثل اهانة للشعوب، وتجاوزا يترك فى النفوس الندوب التى يصعب محوها، عندما ينقلب مؤشر السياسة فى الاتجاه العكسى بين الحكومات، ولعل فى تاريخ العلاقات الرسمية العربية ــ العربية خير دليل على ما أقول.